ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | الذيـل الأولمن رسالة (المعجزات الأحمدية) | 141
(127-142)

ثم إن القرآن مادام مرشداً فمن شأن بلاغة الإرشاد مماشاة نظر العوام، ومراعاة حس العامةِ ومؤانسة فكر الجمهور، لئلا يتوحش نظرُهم بلا طائل ولا يتشوش فكرُهم بلا فائدة، ولا يتشرّد حسُّهم بلا مصلحة، فأبلغُ الخطاب معهم والارشاد أن يكون ظاهراً بسيطاً سهلاً لا يعجزهم، وجيزاً لا يُملّهم، مجملاً فيما لا يلزم تفصيله لهم، ويضرب بالأمثال لتقريب مادقَّ من الأمور الى فهمهم.
فلأن القرآن مرشد لكل طبقات البشر تستلزم بلاغةُ الارشاد أن لا يذكر ما يوقع الاكثرية في المغلطة والمكابرة مع البديهيات في نظرهم الظاهري، وأن لا يغيّر بلا لزوم ما هو متعارف محسوس عندهم، وان يهمل أو يجمل ما لا يلزم لهم في وظيفتهم الأصلية.
فمثلاً: يبحث عن الشمس لا للشمس، ولا عن ماهيتها، بل لِمن نورَّها وجعلها سراجاً، وعن وظيفتها بصيرورتها محوراً لانتظام الصنعة ومركزاً لنظام الخلقة، وما الانتظام والنظام إلاّ مرايا معرفة الصانع الجليل. فيعرّفنا القرانُ باراءة نظام النسج وانتظام المنسوجات كمالات فاطرها الحكيم وصانعها العليم، فيقول: ﴿والشمسُ تجري﴾ ويفهـِّم بها وينبه الى تصرفات القدرة الإلهية العظيمة في اختلاف الليل والنهار وتناوب الصيف والشتاء. وفي لفت النظر اليها تنبيه السامع الى عظمة قدرة الصانع وانفراده في ربوبيته. فمهما كانت حقيقة جريان الشمس وبأي صورة كانت لا تؤثر تلك الحقيقة في مقصد القرآن في اراءة الانتظام المشهود والمنسوج معاً.
ويقول أيضاً:
﴿وَجَعَلَ الشمسَ سراجاً﴾ (نوح:16) ففي تعبير السراج تصوير العالم بصورة قصر، وتصوير الأشياء الموجودة فيه في صورة لوازم ذلك القصر، ومزيّناته، ومطعوماته لسكان القصر ومسافريه، واحساسٌ أنه قد أحضَرتها لضيوفه وخدّامه يدُ كريمٍ رحيم. وما الشمسُ إلاّ مأمور مسخَّر وسراج منوَّر. ففي تعبير السراج تنبيه الى رحمة الخالق في عظمة ربوبيته، وافهامُ إحسانه في سعة رحمته،

لايوجد صوت