ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المقام الثاني | 370
(340-376)

صغير ضئيل. وهذا يعني انه كلما ترسّخ الوجود ازداد قوة، فالشئ القليل يأخذ حكم الكثير، ولاسيما إن كان الوجود مجرداً عن المادة ولم يدخل تحت ضوابط القيد وكَسبَ الرسوخ التام، فان جلوة جزئية منه تستطيع أن تدير عوالم كثيرة من سائر الطبقات الخفيفة من عالم الوجود.
(ولله المثل الاعلى) ان الصانع الجليل لهذا الكون العظيم هو واجب الوجود. أي أن وجوده ذاتي ازلي، ابدي، عدمه ممتنع، زواله محال، وان وجوده أرسخ طبقة من طبقات الوجود وارساها واقواها واكملها، بينما سائر طبقات الوجود بالنسبة لوجوده سبحانه بمثابة ظلٍ في منتهى الضعف.
وان هذا الوجود، واجب، راسخ، ذو حقيقة، الى حدٍ عظيم. ووجود الممكنات خفيف وضعيف في منتهى الخفة والضعف، بحيث دفع الشيخ محي الدين بن عربي وامثاله الكثيرين من اهل التحقيق ان يُنزلوا سائر طبقات الوجود منزلة الاوهام والخيالات، فقالوا: لاموجود الاّ هو، وقرروا انه لاينبغي ان يقال لما سوى الوجود الواجب وجوداً، اذ لاتستحق هذه الانواع من الوجود عنوان الوجود.
وهكذا فوجود الموجودات التي هي عرضية وحادثة، و ثبوت الممكنات التي لاقرار ولا قوة لها، يسيرٌ في منتهى اليسر أزاء قدرة واجب الوجود الذاتية الواجبة. فاحياء جميع الارواح في الحشر الاعظم ومحاكمتها سهل ويسير على تلك القدرة كسهولة حشر وإحياء الاوراق والازهار والثمار في الربيع بل في حديقة صغيرة بل في شجرة.
السـر الثاني: ان مباينة الماهية مع عدم التقيد يسببان السهولة المطلقة، وذلك: ان صانع الكون جل جلاله ليس من جنس الكون بلاشك، فلا تشبه ماهيته اية ماهية كانت، لذا فان الموانع والقيود التي هي ضمن دائرة الكائنات لاتتمكن قطعاً ان تعترض اجراءاته وتقيّدها، فهو القادر على ادارة الكون كله في آن واحد ويتصرف فيه

لايوجد صوت