أي أن هناك شخصية خاصة بالانسان باعتبار وظيفته، هذه الشخصية تخالف شخصيته الحقيقية في نقاط كثيرة. فان كان ذلك الموظف أهلاً لوظيفته وكفواً لها ويملك استعداداً كاملاً لادارة عمله، فان كلتا الشخصيتين تتقاربان بعضهما من بعض بينما لو لم يكن أهلاً لوظيفته وفقيراً في قابلياته، كأن يكون جندياً نصب في مقام مشير، فالشخصيتان تتباعدان بعضهما عن بعض. اذ صفات الجندي الاعتيادية وأحاسسيه البسيطة لا تنسجم مع ما يقتضيه مقام المشير من اخلاق رفيعة.
وهكذا فان في اخيكم هذا الفقيرثلاث شخصيات كل منها بعيدة عن الأخرى كل البعد، بل بعداً شاسعاً جداً.
أولاها:
شخصية مؤقتة خاصة خالصة لخدمة القرآن وحده، بكوني دلالاً لخزينة القرآن الحكيم السامية. فما تقتضيه وظيفة الدعوة الى القرآن والدلالة عليه من اخلاق رفيعة سامية ليست لي، ولا أنا أملكها. وانما هي سجايا رفيعة يقتضيها ذلك المقام الرفيع وتلك الوظيفة الجليلة. فكل ما ترونه من اخلاق وفضائل من هذا النوع فهي ليست لي، وانما هي خاصة بذلك المقام، فلا تنظروا الي من خلالها.
الشخصية الثانية:
حينما أتوجه الى بابه تعالى واتضرع اليه، ينعم علي سبحانه شخصية خاصة في أوقات العبادة بحيث أن تلك الشخصية تولد آثاراً ناشئة من أساس معنى العبودية، وذلك الاساس هو معرفة الانسان تقصيرَه أمام الله وادراك فقره نحوه وعجزه أمامه والالتجاء اليه بذل وخشوع، فأرى نفسي بتلك الشخصية أشقى وأعجز وأفقر وأكثر تقصيراً امام الله من أي أحد كان من الناس، فلو اجتمعت الدنيا في مدحي والثناء عليّ لا تستطيع أن تقنعني بأنني صالح وفاضل.
ثالثتها: