ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | القسم الخامس | 611
(610-614)

استارها أمام العقل، ينفتح باب الى عالم آخر أمام الخيال. واذ يتراءى انه غارق في ظلام، بسبب الغفلة، واذا باسم الهي يتجلى كالشمس المنيرة، فينوّر ذلك العالم كله.. وهكذا.
ولقد استمر طويلاً هذا السير القلبي والسياحة الخيالية، نذكر منها:
انني لما رأيت عالم الحيوانات، وتأملت في عجزها وضعفها وشدة حاجاتها وشدة عوزها وجوعها، بدا لي ذلك العالم، انه عالم غارق في ظلام دامس وحزن ملازم، واذا بإسم (الرحمن) يشرق كالشمس الساطعة من برج اسم (الرزاق) ـ أي في معناه ـ فنوّر ذلك العالم برمته بضياء الرحمة.
ثم رأيت بين ذلك العالم، عالم الحيوانات، صغارها والاطفال، رأيتها وهي تنتفض ضعفاً وعجزاً وحاجة، فعالمها مظلم قاتم، يهزّ عواطف وشفقة كل من يراه.. واذ أنا أرى هذه الحالة المؤلمة اذا بإسم (الرحيم) يشرق من برج (الشفقة) وينشر أضواءه الزاهية على العالم كله وحوّله الى عالم بهيج حلو لطيف، بل حوّل دموع الشكوى والعطف والحزن الى دموع تتقطر فرحاً وسروراً وشكراً.
ثم رُفع الستار واذا بمشهد عالم الانسان يتراءى أمامي، كمشاهد السينما، وهو عالم قد غشيه الظلام الدامس، وتلفه الظلمات الكثيفة والرعب المستديم، حتى استغثت من شدة فزعي ومن هول مارأيت، حيث رأيت: ان الآمال المغروزة في الانسان والممتدة الى الابد، وأن أفكاره وتصوراته المحيطة بالكون، وان هممه واستعداداته ومواهبه التي تطلب البقاء الأبدي والسعادة الأبدية وهي التواقة الى الجنة الخالدة، يكمن معه ـ في هذا الانسان ايضاً ـ فقر شديد وحاجة دفينة، رغم توجهه الى مقاصد لاتنتهي، ومطالب لامنتهى لها، مع ضعف ملازم رغم انه معرّض لهجمات مصائب واعداء كثيرة.. زد على ذلك؛ ليس له الاّ عمر قصير جداً، وحياة تعيسة، وعيش مضطرب، يذوق مرارة الزوال والفراق اللذين يوجعان قلبه ألماً شديداً دائماً، حيث ينظر ـ بنظر الغفلة ـ الى القبر الماثل أمامه أنه ظلمات سرمدية،

لايوجد صوت