عليه شيء، مما يوحى: ان الذي يفعل هذا قادر على كل شيء.
ثم ان القمر يعقب الشمس، هذا التعقيب مقدر حسابه، لا يخطىء حتى في ثانية واحدة، ولا يتباطأ عن عمله قيد انملة، مما يدفع كل متأمل فيه الى القول: سبحان من تحيـّر في صنعه العقول. اذ يأخذ القمر شكل هلال رقيق ولاسيما نهاية شهر آيار – مثلما يحدث في احيان اخرى – ويتخذ شكل عرجون قديم اثناء دخوله منزل الثريا. حتى لكأن الثريا عنقود يتدلى بهذا العرجون القديم، من وراء ستار الخضراء(1) القاتمة مما يوحى للخيال وجود شجرة عظيمة نورانية وكأن غصناً دقيقاً من تلك الشجرة قد خرق ذلك الستار واخرج نهايته مع عنقود هناك، وصار الثريا والهلال.
هذا اللوحة الرائعة تلقي الى الخيال: ان النجوم الاخرى ثمرات تلك الشجرة الغيبية. فشاهد لطافة الآية الكريمة ﴿كالعُرجون القديم﴾ وذق حلاوة بلاغتها.
ثم خطرت بالبال الآية الكريمة ﴿هُوَ الَّذي جَعَلَ لكْم الارضَ ذَلولاً فامْشوا في مَناكِبها﴾ (الملك:15) التي تشير الى ان الارض سفينة مسخـّرة ودابة مأمورة: من هذه الاشَارة رأيت نفسي في موقع رفيع من تلك السفينة العظيمة السائرة سريعاً في فضاء الكون، فقرأت: ﴿سبحان الَّذي سَخّر لنا هذا وما كُنّا له مُقْرنين﴾ (الزخرف:13) التي تـُسنّ قراءتها حين ركوب الدابة من فرس وسفينة وغيرهما(1).
وكذا رأيت أن الكرة الارضية، قد أخذت بهذه الحركة طور ماكينة السينما التي تبين المشاهد وتعرضها، فحرّكتْ ما في السموات
(1) الخضراء: السماء لخضرتها (سوادها) صفة غلبت الاسماء وفي الحديث ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر (لسان العرب). – المترجم.
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما:(أن رسول الله y كان اذا استوى على بعيره خارجاً الى سفر كبـّر ثلاثاً، ثم قال: سبحان الذي سخـّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنـّا الى ربنا لمنقلبون) رواه مسلم 1342.