ولقد ذكرت في بعض (الكلمات) أنه:
اذا اُسندت الاشياء كلها الى واحد أحد، تحصل سهولة ويسر بدرجة الوجوب، وإن اُسندت الى اسباب عدة وصنّاع كثيرين تظهر مشاكل وعوائق وصعوبات بدرجة الامتناع. لأن شخصاً واحداً، وليكن ضابطاً أو بنّاءً، يحصل على النتيجة التي يريدها، ويعطى الوضع المطلوب، لكثرة من الجنود، او كثرة من الاحجار ولوازم البناء، بحركة واحدة وبسهولة تامة، بحيث لو احيل ذلك الأمر الى افراد الجيش أو الى احجار البناء لتعسّر استحصال تلك النتائج بل لا يمكن قطعاً الاّ بصعوبة عظيمة.
فما يشاهد في هذه الكائنات من افعال السير والجولان والانجذاب والدوران ومن المناظر اللطيفة والمشاهد المعبّرة عن التسبيح، ولا سيما في الفصول الاربعة وفي اختلاف الليل والنهار.. اقول لو اسندت هذه الافعال الى الوحدانية فان واحداً أحداً بأمر واحد منه الى كرة واحدة بالحركة يستحصل على اوضاع رفيعة ونتائج ثمينة كاظهار عجائب الصنعة في تبدل المواسم وغرائب الحكمة في اختلاف الليل والنهار، ولوحات راقية في حركة النجوم والشمس والقمرالظاهرية وامثالها من الافعال، تحصل كلها لأن الموجودات كلها جنوده، فيعين جندياً بسيطاً كالارض حسب ارادته ويجعله قائداً على النجوم، ويجعل الشمس الضخمة سراجاً لإعطاء اهل الارض الحرارة والنور، ويجعل الفصول الاربعة - التي هي الواح نقوش القدرة الإلهية - مكوكاً، والليل والنهار اللذين هما صحيفة كتابة الحكمة الربانية نابضاً، ويقدّر القمر منازل لمعرفة المواقيت، ويجعل النجوم على هيئة مصابيح مضيئة لطيفة متلألئة بايدي الملائكة المنجذبين بنشوة السرور والفرح.. هكذا يُظهر حِكَماً كثيرة تخص الارض بمثل هذه الاوضاع الجميلة.
فهذه الاوضاع ان لم تطلب من ذاتٍ جليلة ينفذ حكمه في الموجودات كلها ويتوجه اليها كلها بنظامه وقانونه وتدبيره، يلزم اذاً ان تقطع الشموس والنجوم كلها مسافات لاحدّ لها في كل يوم بحركة