ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب الثالث عشر | 64
(63-69)

وتجردت عن الدنيا منشغلاً بامور آخرتي، أخرجني أهل الدنيا من هناك ونفوني ظلماً وعدواناً. فجعل الخالق الرحيم الحكيم هذا النفي لي رحمة، اذ حوّل ذلك الانزواء في الجبل الذي كان معرضاً لعوامل تخل بالاخلاص والأمان، الى خلوة في جبال (بارلا) يحيط بها الأمن والاطمئنان والاخلاص. وقد عزمت عندما كنت أسيراً في روسيا ورجوت الله ان أنزوي في أواخر عمري في مغارة. فجعل أرحم الراحمين (بارلا) في مقام تلك المغارة ويسّر لي فائدتها ولم يحمّل كاهلي الضعيف متاعب المغارة وصعوباتها إلاّ ما اصابتني من مضايقات بسبب أوهام وريوب كان يحملها بضعة أشخاص فيها، فهؤلاء الذين كانوا أصدقائي - وقد ركبتهم الأوهام ظناً منهم انهم يعملون لصالحي ولراحتي - إلاّ انهم بأوهامهم هذه قد جلبوا الضيق على قلبي والضرر على خدمة القرآن.
وعلى الرغم من ان أهل الدنيا اعطوا للمنفيين جميعاً وثائق العودة وأخلوا سبيل المجرمين من السجون وعفوا عنهم، فقد منعوا الوثيقة عني ظلماً وجوراً، ولكن ربي الرحيم شاء ان يبقيني في هذه الغربة ليستخدمني في خدمة القرآن أكثر وليجعلني أكتب هذه الأنوار القرآنية التي سميتها (الكلمات) أكثر فاكثر، فابقاني في هذه الغربة بلا ضجة ولا ضوضاء، وحوّلها الى رحمة سابغة.
ومع ان أهل الدنيا سمحوا لذوي النفوذ والشيوخ ولرؤساء العشائر (من المنفيين) - الذين يمكنهم المداخلة في دنياهم - بالبقاء في الأقضية والمدن الكبيرة وسمحوا لأقاربهم ولجميع معارفهم بزيارتهم، فانهم فرضوا عليّ حياة العزلة ظلماً وعدواناً وارسلوني الى قرية صغيرة. ولم يسمحوا لأقاربي ولا لأهل بلدتي - باستثناء واحد أو اثنين - بزيارتي. فقلب خالقي الرحيم هذه العزلة الى رحمة غامرة بالنسبة لي، اذ جعل هذه العزلة وسيلة لصفاء ذهني وتخليصه من توافه الأمور وتوجيهه للاستفاضة من القرآن الحكيم على صفائه ونقائه.
ثم ان أهل الدنيا استكثروا عليّ في البدء حتى كتابة رسالة أو

لايوجد صوت