سنوات علّه يخدم الدين والعلم عن طريقها. فذهبت محاولته ادراج الرياح، اذ رأى ان تلك الطريق ذات مشاكل، ومشكوك فيها. وان التدخل فيها فضول ـ بالنسبة اليّ - فهي تحول بيني وبين القيام بأهم واجب. وهي ذات خطورة. وان اغلبها خداع وأكاذيب. وهناك احتمال ان يكون الشخص آلة بيد الأجنبي دون ان يشعر. وكذا فالذي يخوض غمار السياسة إما ان يكون موافقاً لسياسة الدولة او معارضاً لها، فان كنت موافقاً فالتدخل فيها بالنسبة اليّ فضول ولا يعنيني بشئ، حيث انني لست موظفاً في الدولة ولا نائباً في برلمانها، فلا معنى - عندئذٍ - لممارستي الامور السياسية وهم ليسوا بحاجة اليّ لأتدخل فيها. واذا دخلت ضمن المعارضة او السياسة المخالفة للدولة، فلابد ان اتدخل إما عن طريق الفكر او عن طريق القوة. فان كان التدخل فكرياً فليس هناك حاجة اليّ ايضاً، لان الأمور واضحة جداً، والجميع يعرفون المسائل مثلي، فلا داعي الى الثرثرة. وان كان التدخل بالقوة، اي بأن اظهر المعارضة باحداث المشاكل لاجل الوصول الى هدف مشكوك فيه. فهناك احتمال الولوج في آلاف من الآثام والاوزار، حيث يبتلي الكثيرون بجريرة شخص واحد. فلا يرضى وجداني الولوج في الآثام والقاء الابرياء فيها بناء على احتمال او احتمالين من بين عشرة احتمالات، لأجل هذا فقد ترك سعيد القديم السياسة ومجالسها الدنيوية وقراءة الجرائد مع تركه السيجارة.
والشاهد الصادق القاطع على هذا: انني منذ ثماني سنوات لم اقرأ جريدة واحدة ولم استمع اليها من احد قط، فليبرز احدهم ويدّعى انني قد قرأت أو استمعت الى جريدة من احد. بينما كان سعيد القديم يقرأ حوالي ثماني جرائد يومياً قبل ثماني سنوات.
ثم انه منذ خمس سنوات تراقَب احوالي بدقائقها. فليدّع أحد انه قد بدر مني ما يشم منه شئ من السياسة. علماً ان شخصاً ذا اعصاب متوفزة مثلي، ولا علاقة له مع أحد، ويجد اعظم الحيل في ترك الحيلة حسب القاعدة (انما الحيلة في ترك الحيل) فمن كان حاله هكذا لا يمكن ان يستر فكره ثمانية ايام، وليست ثمانية اعوام. اذ لو كانت