الناس مخمصةٌ في احدى الغزوات ــ وفي رواية في غزوة تبوك ـ (فقال لي رسول الله y: هل من شئ؟ قلتُ: نعم شئٌ من التمر في المزود(1)) وفي رواية خمس عشرة تمرة (قال فأتني به، فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ودعا بالبركة. ثم قال ادعُ عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم عشرة كذلك، حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا، قال: خذ ما جئت به وأدخل يدك واقبض منه ولا تكبَّه، فقبضتُ على أكثر مما جئتُ به، فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله y وحياة ابي بكر وعمر الى أن قُتل عثمان فانتهبَ مني فذهب. وفي رواية فقد حملتُ من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله)(2).
وهكذا، فان معجزة البركة التي يرويها ابو هريرة، وهو الذي تتلمذ على معلم الكون وسيده محمد y ولازم مدرسة الصفة وبزّ فيها بالحفظ بدعاء النبي له، فهذا الصحابي الجليل يروي هذه الرواية في مجمع من الناس ــ كغزوة تبوك ــ فلا بد ان تكون هذه الرواية متواترة من حيث المعنى، وقوية متينة بقوة الجيش كله اي كما لو كان الجيش كله يرويها.
المثال السادس عشر:
ثبت في صحيح البخاري والصحاح الاخرى: ان الجوع اصاب ابا هريرة، (فاستَتَبعَه النبي y، فوجد لبناً في قدح أهدي اليه، وأمره أن يدعو أهل الصفة. قال: فقلتُ ما هذا اللبن فيهم، كنت أحقَّ أن اصيب منه شربةً أتقوى بها، فدعوتُهم)، وكانوا ينوفون على المائة، فأمر y أن اسقيهم (فجعلتُ اُعطي الرجل فيشرب حتى يروى. ثم يأخذه الآخر
---------------------------------------------------------------------------
(1) (المزود): وعاء الزاد.
(2) الشفا (1/ 295) واورده الحافظ ابن كثير في تأريخه وعزاه للامام أحمد ورواه الترمذي وقال: حسن غريب من هذا الوجه (الفتح الرباني 22/ 56) واورده التبريزي في المشكاة (3/ 191 برقم 5933) وقال: رواه الترمذي، قال المحقق: وضعفّه بقوله غريب. وحسّنه محقق جامع الاصول، والحديث عند الترمذي (برقم 3838 تحقيق أحمد شاكر)، وانظر جمع الفوائد (12/ 481).