ترسل ضمن رزق الانسان، وتأتي بصورة بركة ايضاً. ومما يؤيد هذا، ما شاهدته بنفسي من مثال، هو:كانت لي حصة من الغذاء كل يوم ـ كما يعلم احبائي القريبون ـ قبل سنتين او ثلاث وهي نصف رغيف، وكان رغيف تلك القرية صغيراً، وكثيراً ما كان لا يكفيني.. ثم جاءني أربع قطط ضيوفاً، وقد كفاني ذلك الغذاء وكفاهم. بل غالباً كانت تبقى منه فضلة وزيادة.
هذه الحالة قد تكررت عندي بحيث اعطتني قناعة تامة من أننى انا الذي كنت استفيد من بركات تلك القطط! وأنا اعلن اعلاناً قاطعاً الان ان تلك القطط ما كانت حملاً ولا عبئاً عليّ ولم تكن تبقى تحت منتي، وانما انا الذي كنت ابقى تحت منّتها.
ايها الانسان! ان حيواناً شبه مفترس يأتي ضيفاً الى بيت يكون محوراً للبركة، فكيف اذا حلّ في البيت من هو اكرم المخلوقات وهو الانسان؟ ومن هو اكملهم من بين الناس وهو المؤمن؟ ومن هو من العجزة والمعلولين المعمرين من بين اهل الايمان؟ ومن هو اكثر أهلاً للخدمة والمحبة من بين المعلولين والمعمّرين وأولى من يستحقونها وهم الاقربون؟ ومن هم اخلص صديق واصدق محب من بين هؤلاء الاقربين وهم الوالدان؟! كيف بهم اذا حلوا في البيت. فلك ان تقيس، ما اعظمها من وسيلة للبركة، ومن وساطة لجلب الرحمة ومن سبب لدفع المصيبة، كما يتضمنه معنى الحديث الشريف: لولا الشيوخ الركع لصبّ عليكم البلاء صباً(1).
اذن ايها الانسان: تأمل .. واعتبر واعلم انك ان لم تمت فلا مناص من ان تصير شيخاً عجوزاً، فان لم تحترم والديك، فسيأتي عليك يوم لا يوقرك اولادك ولن يحترموك، وذلك بما اودع الله من
----------------------
1) (لولا عباد لله ركّع وصبية رضّع وبهائم رتّع لصبّ عليكم البلاء) - وفي رواية العذاب - صباً رواه الطيالسي والطبراني وابن منده وابن عدى وغيرهم عن ابي هريرة رفعه… ورواه السيوطي في الجامع الصغير - الحديث نفسه - ثم رُصّ رصّاً، قال المناوي نقلاً عن الهيثمي 10/ 227. وهو ضعيف. (باختصار عن كشف الخفاء 2/163) - المترجم.