ترى كم يكون عمله هذا باطلاً لو تصرف هكذا وكم يسقط في هاوية كفران النعمة! وكم هو في ضلالة مقيتة!. حتى البلهاء يدركون هذا.
ايها الانسان الحريص غير القانع! ويا ايها المسرف غير المقتصد! ويا ايها الشاكي بغير حق! ايها الغافل!
اعلم يقيناً: ان القناعة شكران رابح، بينما الحرص كفران خاسر، والاقتصاد توقير للنعمة جميل ونافع، بينما الاسراف استخفاف بالنعمة مضرّ ومشين.
فان كنت راشداً، عوّد نفسك على القناعة وحاول بلوغ الرضى. وان لم تطق ذلك فقل: ياصبور! وتجمّل بالصبر. وارض بحقك ولاتشكُ. واعلم ممن وإلى مَن تشكو! ألزم الصمت. واذا اردت الشكوى لامحالة فاشكُ نفسك الى الله، فان القصور منها.
الرمز الثانـي:
لقد ذكرنا في ختام المسألة الاخيرة للمكتوب الثامن عشر أنه:
ان حكمةً من حكم تبديل الخالق الجليل للموجودات دوماً وتجديده لها باستمرار تبديلاً وتجديداً محيّراً مذهلاً بفعالية ربوبيته الجليلة هي ان الفعالية والحركة في المخلوقات نابعة من شهية، من اشتياق، من لذة، من محبة، حتى يصح القول:
ان في كل فعالية نوعاً من اللذة، بل ان كل فعالية هي نوع من اللذة، واللذة كذلك متوجهة الى كمال بل هي نوع من الكمال.
ولما كانت الفعالية تشير الى كمال، الى لذة، الى جمال، وان الواجب الوجود سبحانه الذي هو الكمال المطلق والكامل ذو الجلال، جامع في ذاته وصفاته وافعاله لجميع انواع الكمالات، فلا شك أن لذلك الواجب الوجود سبحانه شفقة مقدسة لاحدّ لها ومحبة منزهة لانهاية لها تليق بوجوب وجوده وقدسيته وتوافق تعاليه الذاتي وغناه