ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | القسم التاسع | 662
(661-687)

الكون من حقائق لا تحد، ومظهر لها، بل هو نواتها. كما بيّن ذلك من لا يحصرهم العد من اهل الولاية فيما سطروه من ملايين الكتب الباهرة.
فما دام قلب الانسان ودماغه لهما هذه المنزلة والموقع، وقد ادرجت في القلب آلاف من مكائن اخروية ضخمة واجهزتها الابدية، كاندراج اجهزة الشجرة الضخمة في بذرتها، فان فاطر ذلك القلب الذي خلقه على هذه الصورة قد اراد تشغيل هذا القلب وتحريكه والكشف عن قدراته والانتقال به من طور (القوة) الى طور (الفعل).
فما دام سبحانه وتعالى قد اراد هكذا، فعلى القلب اذن ان يقوم بعمله الذي خلق من اجله، كما يقوم العقل بعمله، ولا شك ان اعظم وسيلة لعمل القلب وتشغيله هو التوجه الى الحقائق الايمانية بالاقبال على ذكر الله ضمن مراتب الولاية عبر سبيل (الطريقة).
 التلويح الثاني:
ان مفاتيح هذا السير والسلوك القلبي ووسائل التحرك الروحاني ان هي الا (ذكر الله) و (التفكر) فمحاسن الذكر وفضائل التفكر لا تحصى. فلو صرفنا النظر عن فوائدهما الاخروية التي لا حد لها ونتائجهما في رقي الانسانية الى الكمالات، واخذنا بنظر الاعتبار فائدة واحدة من فوائدهما الجزئية التي يعود نفعها على الانسان في هذه الحياة الدنيوية المضطربة نرى:
ان اي انسان كان لا بد ان يبحث عن سلوان، ويفتش عن ذوق ويتحرى عن انيس يستطيع ان يزيل عنه وحشته ويخفف عنه ثقل هذه الحياة، ويتخفف من غلوائها، ولو جزئياً
وحيث ان ما يهيؤه المجتمع الحضاري من الوسائل المسلية والانس بالآخرين قد تمنح واحداً او اثنين من عشرة من الناس ُانسا موقتا بل ذا غفلة وذهول، والثمانين بالمائة من الناس اما انهم يحيون منفردين بين الجبال والوديان، او ساقتهم هموم العيش الى اماكن نائية موحشة، او ابتلوا بالمصائب او الشيخوخة النذيرة بالآخرة... فهؤلاء جميعاً يظلون محرومين من الانس فلا يأنسون ولا يجدون

لايوجد صوت