من تلك الغرفة العمومية ولو قيد أنملة.
وهكذا الدنيا فهي منزل جميل مزيّن، وحياة كل منا مرآة كبيرة واسعة، ولكل منا دنياه الخاصة من هذه الدنيا العمومية. ولكل منا عالمه الخاص به، الاّ ان عمود دنيانا ومركزها وبابها، حياتنا، بل ان دنيانا وعالمنا الخاص، صحيفة، وحياتنا قلم، يكتب بوساطته كثير من الاشياء التي تنقل الى صحيفة اعمالنا. فان احببنا دنيانا، ثم شاهدنا انها زائلة فانية لا قرار لها كحياتنا - لأنها مبنية فوقها - وشعرنا بهذا الزوال، وادركناه، عندئذٍ تتحول محبتنا نحوها الى محبة نقوش الاسماء الإلهية الحسنى التي تمثلها دنيانا الخاصة، المرآة لها. ومنها تنتقل المحبة الى محبة تجليات الاسماء الحسنى.
ثم اننا اذا ادركنا ان دنيانا الخاصة مزرعة مؤقتة للآخرة والجنة، وحوّلنا احاسيسنا الشديدة ومشاعرنا القوية نحوها كالحرص والطلب والمحبة وامثالها، الى نتائج تلك المزرعة وثمراتها وسنابلها، تلك هي فوائدها الاخروية. ينقلب عندها ذلك العشق المجازي الى عشق حقيقي. وبخلاف هذا نكون ممن قال الله تعالى في حقهم ﴿نَسوُا الله فَاَنْساهم اَنْفُسَهُمْ اُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾(الحشر: 19). فالذي ينسى نفسه ويغفل عنها، ولم يفكر بزوال حياته، وحسَِبَ دنياه الخاصة الفانية ثابتة كالدنيا العمومية،ناسياً زوال الحياة، عاداًّ نفسه خالداً فيها فسكن اليها وتمسك بها بجميع حواسه ومشاعره يغرق فيها وينتهي أمره. فتكون تلك المحبة وبالاً عليه وعذاباً أليما، لأنها تولد شفقة ورقّة قلب يائس يأس اليتيم، فيقاسي الألم من احوال ذوي الحياة حتى يستشعر الم الرقة والفراق مما يصيب المخلوقات الجميلة المعرضة لصفعات الزوال والفراق، ويجد نفسه مكتوف الايدي ازاءها فيتجرع الألم في يأس مرير.
أما الشخص الأول الذي نجى من شِباك الغفلة، فانه يجد بلسماً شافياً ازاء شدة الم الشفقة تلك، اذ يشاهد في موت ذوي الحياة وفي زوال مَن يتألم لأوضاعهم، بقاء مرايا ارواحهم التي تمثل تجليات