طبعها، ثمانون منها، ونمت عشرون منها نخلاً مثمراً، أفيمكنك ان تقول: ان سقي تلك البذور شر حيث أفسد الكثير منها! لا تستطيع قول ذلك بلا شك، لان تلك النوى العشرين قد اصبحت بمثابة عشرين الف نواة، فالذي يفقد الثمانين ويكسب العشرين ألفاً لاشك انه غانم لم يتضرر، فلا يكون السقي اذاً شراً.
وكذا لو وجدت مائة من بيض الطاووس - مثلاً - فثمنها يساوي ثمن البيض وهو خمسمائة قرش ولكن اذا حضنت تلك المائة من البيض وفرخ عشرون منها، وفسدت الثمانون الباقية، هل يمكن ان يقال حينئذٍ ان ضرراً كبيراً قد حدث، أو أن هذه المعاملة شر، أو أن حضانة الطاووسة على البيض عمل قبيح.. لاشك ان الجواب ليس كذلك، بل العمل هذا خير، لأن الطاووس وبيضه قد كسبا عشرين طاووساً اثمانها باهظة بدلاً عن تلك البيوض الكثيرة الزهيدة الثمن.
وهكذا فقد غنم النوع البشري مائة الف من الانبياء عليهم السلام وملايين الاولياء وملايين الملايين من الاصفياء الذين هم شموس عالم الانسانية واقمارها ونجومها، ببعثة الانبياء وبسر التكليف وبمحاربة الشياطين، ازاء ما خسره من المنافقين - الكثيرين كماً والتافهين نوعاً - والكفار الذين هم ضرب من الحيوانات المضرة.
سؤالكم الثالث: ان الله سبحانه وتعالى ينزل المصائب ويسـلط البلايا، ألا يكون هذا ظلماً على الابرياء بل حتى على الحيوانات؟
الجواب: حاشَ لله وكلا.. فان المُلك ملكه وحده، وله أن يتصرف فيه كيف يشاء. تُرى لو ان صنّاعاً ماهراً جعلك نموذجاً (موديلاً) مقابل اجرة، وألبسك ثوباً زاهياً خاطه بأفضل ما يكون، ثم بدأ يقصّره ويطوله ويقصه.. ثم يقعدك وينهضك ويثنيك.. كل ذلك لكي يبين حذاقته ومهارته، فهل لك أن تقول له: لقد شوهت جمال ثيابي الذي زادني جمالاً، وقد ارهقتنى لكثرة ما تقول لي: اجلس.. إنهض! فلا ريب انك لا تقدر على هذا القول. بل لو قلته، فهو دليل الجنون ليس الاّ.