الا ان اغلب تلك الاحوال والاوصاف تعكس بشريته فحسب، اذ ان الشخصية المعنوية لتلك الذات النبوية المباركة رفيعة جداً وماهيته المقدسة نورانية الى حدّ لا يرقى ما ذُكر في التاريخ والسيرة من اوصاف واحوال الى ذلك المقام السامي والدرجة الرفيعة العالية، لأنه y في ضوء قاعدة (السبب كالفاعل) تضاف يومياً - حتى الآن - الى صحيفة كمالاته عبادةٌ عظيمة بقدر عبادات امته بأكملها. وكماينال باستعداد غير متناه نفحات الرحمة الإلهية غير المتناهية بشكل غير متناهٍ وبقدرة غير متناهية، كذلك ينال يومياً دعاءً غير محدود ممن لا تحد من امته.
هذا النبي المبارك y الذي هو انبل نتائج الكائنات واكمل ثمراتها والمبلّغ عن خالق الكون، وحبيب رب العالمين، لا تبلغ احوالُه واطوارهُ البشرية التي ذكرَتْها كتب السيرة والتاريخ الاحاطة بماهيته الكاملة ولا تصل الى حقيقة كمالاته. فأنّى لهذه الشخصية المباركة الذي كان كلُّ من جبرائيل وميكائيل مرافقين امينين(2) له في غزوة بدر ان تنحصر في حالة ظاهرية أو ان تظهرها بجلاء حادثة بشرية كالتي وقعت مع صاحب الفرس الذي ابتاع y الفرس منه ولكنه أنكر هذا البيع وطلب من الرسول الكريم شاهداً يصدّقه فتقدم الصحابي الجليل (خزيمة) بالشهادة له(1).
-----------------------------------------------------------------------------------
(2) انظر صحيح البخاري (5/ 103) باب شهود الملائكة بدراً، والفتح الرباني للساعاتي في تحقيقه المسند للامام أحمد (21/26).
(1) عن عمارة بن خزيمة (ان عمه حدثه وكان من أصحاب النبي y انه ابتاع فرساً من اعرابي، فاستتبعه النبي y ليقضيه ثمن فرسه، فاسرع النبي y المشي وابطأ الاعرابي، فطفق رجال يعترضون الاعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون ان النبي y ابتاعه، فنادى الاعرابي النبي y، فقال ان كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه والا بعته. فقال النبي y حين سمع نداء الاعرابي: او ليس قد ابتعته منك؟ قال الاعرابي: لا والله ما بعتك، فقال النبي y بلى قد ابتعته، فطفق الاعرابي يقول: هلم شهيداً، قال خزيمة: انا اشهد انك قد ابتعته، فاقبل النبي y على خزيمة فقال: بِمَ تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين). حديث صحيح: رواه ابو داود برقم (3607) والنسائي وأحمد (22/ 233 - 234). وفي المجمع (9/320) من حديث خزيمة بنثابت، قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله كلهم ثقات اهــ. واورده الحافظ في المطالب العالية (4052) ورمز المحقق لصحته. وانظر الأصابة (2260) ونيل الأوطار 5/180.