بينما اذا قابلت اساءته بحرص شديد على توافه الدنيا ـ كأنك تخلد فيها ـ وبحقد مستديم وعداء لا يفتر، فلا جرم أن تنطبق عليك صفة (ظلوماً جهولاً) وتكون اشبه بذلك اليهودي الاحمق الذي صرف اموالاً طائلة لقطع زجاجية لا تساوي شيئاً وبلورات ثلجية لا تلبث ان تزول، ظناً منه انها الماس.
وهكذا فقد بسطنا امامك ما يسببه العداء من اضرار لحياة الانسان الشخصية. فان كنت حقاً تحب نفسك فلا تفسح له مجالاً ليدخل قلبك، وان كان قد دخل فعلاً واستقر فلا تصغ اليه، بل استمع الى حافظ الشيرازي(1) ذي البصيرة النافذة الى الحقيقة. انه يقول:
دنيا نة متاعيستى كة ارزد بنزاعى
أي: (ان الدنيا كلها لا تساوي متاعاً يستحق النزاع عليه).
فلئن كانت الدنيا العظيمة وبما فيها تافهة هكذا، فما بالك بجزء صغير منها. واستمع اليه ايضاً حيث يقول:
آسايش دوطيتى تفسير اين دو حرفست
بادوستان مروت با دشمنان مدارا
أي: (نيل الراحة والسلامة في كلا العالمين توضحه كلمتان:
معاشرة الاصدقاء بالمروءة والانصاف. ومعاملة الاعداء بالصفح والصفاء).
اذا قلت: ان الامر ليس في طوقي، فالعداء مغروز في كياني، مغمور في فطرتي، فليس لي خيار، فضلاً عن انهم قد جرحوا مشاعري وآذوني، فلا استطيع التجاوز عنهم.
فالجواب: ان الخلق السئ ان لم يجر اثره وحُكمه، وان لم يُعمل بمقتضاه كالغيبة مثلاً، وعَرف صاحبه تقصيره، فلا ضير، ولا ينجم
--------------------
(1) حافظ الشيرازي: (1320 - 1389م). هو شمس الدين محمد الشهير بحافظ الشيرازي اشهر شعراء فارس على الاطلاق، لايعرف إلاّ القليل عن نشأته. له (ديوان) شعر ملئ بالقصائد التي عرضت لمعظم الفنون الشائعة في عصره. انظر: كشف الظنون 1/783. - المترجم.