ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب السادس والعشرون | 498
(497-510)

القرآن الكريم من حفاظ كرام في جامع بايزيد باستانبول، وذلك في ايام شهر رمضان المبارك، واذا بي أسمع كأن صوتاً معنوياً، صرف ذهني اليه، دون ان ارى شخصه بالذات، فأعرتُ له السمع خيالاً، ووجدته يقول:
- انك ترى القرآن سامياً جداً ولامعاً جداً، فهلاّ نظرت اليه نظرة حيادية، ووازنته بميزان محاكمة عقلية حيادية. اعنى: افرض القرآن قول بشر، ثم انظر اليه بعد هذا الفرض هل تجد فيه تلك المزايا والمحاسن؟!
اغتررت به - في الحقيقة - فافترضت القرآن قول بشر، ونظرت اليه من تلك الزاوية، واذا بي ارى نفسي في ظلام دامس. فقد انطفأت اضواء القرآن الساطعة، وعمّ الظلام الارجاء كما يعم الجامع كله اذا مس احدهم مفتاح الكهرباء.
فعلمت عندها ان المتكلم معي هو شيطان يريد ان يوقعني في هاوية. فاستعصمت بالقرآن الكريم نفسه، واذا بنور يقذفه ا سبحانه في قلبي، أجد نفسي به، قوياً قادراً على الدفاع. وحينها بدأت المناظرة مع الشيطان على النحو الآتي:
قلت: ايها الشيطان! ان المحاكمة الحيادية، دون انحياز الى احد الطرفين، هي التزام موضع وسط بينهما، بيد أن المحاكمة الحيادية التي تدعو اليها - انت وتلاميذك من الانس - انما هي اِلتزام الطرف المخالف. فهي ليست حيادية، بل خروج عن الدين مؤقتاً، ذلك لأن النظر الى القرآن انه كلام بشر واجراء محاكمة عقلية في ضوء هذا الفرض ما هو إلاّ اتخاذ الطرف المخالف اساساً، والتزام للباطل اصلاً. وليس أمراً حيادياً، بل هو انحياز للباطل وموالاة له.
فقال الشيطان: افرضه كلاماً وسطاً، لا تقل انه كلام الله، ولا كلام بشر.
قلت:

لايوجد صوت