- وهذا ايضاً لا يمكن ان يكون قطعاً. لأنه اذا وجد مالٌ منازع فيه، وكان المدعيان متقاربين اي قريبين بعضهما من بعض مكاناً، حينئذٍ يوضع ذلك المال لدى شخص غيرهما. او في مكان تناله ايديهما. فايّما الطرفين اقام الحجة على الآخر، واثبت دعواه، أخذ المال. ولكن لو كان المدعيان متباعدين، احدهما عن الآخر، غاية البعد، كأن يكون احدهما في المشرق والآخر في المغرب، عندئذٍ يترك المال لدى (ذي اليد) منهما، حسب القاعدة المعروفة. ذلك لأنه لا يمكن ترك المال في موضع وسط بينهما.
وهكذا فالقرآن الكريم، متاع ثمين وبضاعة سامية ومال رفيع لله والبعد بين الطرفين، بعدٌ مطلق لا يحده حد، اذ هو البعد ما بين كلام رب العالمين وكلام بشر. ولهذا لا يمكن وضع المال وسط الطرفين، اذ لا وسط بينهما اطلاقاً. لانهما كالوجود والعدم، فلا وسط بينهما. لذا فان صاحب اليد للقرآن هو الطرف الإلهي. ولهذا ينبغي ان يقبل الأمر هكذا وسَوق الادلة في ضوئها اي انه بيده سبحانه. الاّ اذا استطاع الطرف الآخر دحض جميع البراهين المشيرة الى انه كلام الله، وتفنيدها الواحد تلو الآخر، عندئذٍ يمكنه ان يمدّ يده اليه، والاّ فلا.
هيهات! من ذا يستطيع ان يزحزح تلك الدرة الغالية المثبتة بالعرش الاعظم بآلاف من مثبتات البراهين الدامغة، وانّى لأحد الجرأة على هدم دلائل الاعمدة القائمة، ليسقط تلك الدرّة النفيسة من العرش السامي.
فيا ايها الشيطان! ان اهل الحق والانصاف يحاكمون الامور محاكمة عقلية سليمة على هذه الصورة رغم انفك. بل يزدادون ايماناً بالقرآن باصغر دليل.
أما الطريق الذي تدل عليه انت وتلاميذك، اي لو افترض القرآن كلام بشر، ولو لمرة واحدة، أي لو اسقطت تلك الدرة العظيمة الثابتة بالعرش، الى الارض، فيلزم وجود برهان قوي وعظيم يعلو جميع البراهين ويتسع لجميع الدلائل، كي يقوى على الارتفاع بها من