ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب السادس والعشرون | 501
(497-510)

الانصات اليه، ولا استطاع ان يجعله مرجعاً لشؤونه كافة. فسيدنا موسى عليه السلام، وهو من اولي العزم من الرسل، ما استطاع ان يتحمل الاّ سماع بعضٍ من كلامه سبحانه، حيث قال: أهكذا كلامك؟ قال الله: لي قوة جميع الالسنة(1) ولكن الشيطان عاد قائلاً:
- كثير من الناس يذكرون مسائل دينية شبيهة بما في القرآن، ألا يمكن لبشر ان يأتي بشئ شبيه بالقرآن باسم الدين؟
فقلت مستلهماً من فيض القرآن الكريم.
 اولاً: ان ذا الـدين يبين الحق ويقول: الحق كذا، الحقيقة هكذا، وامر الله هذا.. يقوله بدافع حبه للدين، ولا يتكلم باسم الله حسب هواه، ولا يتجاوز طوره بما لا حدّ له، بأن يدّعي انه يتكلم باسم الله اويتكلم عنه فيقلّده في كلامه سبحانه، بل ترتعد فرائصه امام الدستور الإلهي:
﴿فمن أظلمُ ممن كَذبَ على الله﴾(الزمر: 32).
 ثانياً: انه لا يمكن بحال من الاحوال ان يقوم بشر بهذا العمل ثم يوفّق فيه، بل هذا محال في مائة محال. لأن اشخاصاً متقاربين يمكنهم ان يقلد احدهم الأخر. وربما يمكن لمن هم من جنس واحد أو صنف واحد ان يتقمص احدهم شخصية الآخر، فيستغفلوا الناس مؤقتاً. ولكن لا يمكن ان يستغفل احدهم الناس بصورة دائمة. اذ سيظهر لأهل العلم والمعرفة مدى التصنع والتكلف في اطواره وافعاله لا محالة. ولابد أن ينكشف كذبه يوماً، فلا تدوم حيلته قط. وان كان الذي يريد التقليد بعيداً غاية البعد، كأن يكون شخصاً اعتيادياً يريد أن يقلد ابن سينا في العلم، أو راعياً يريد أن يظهر بمظهر السلطان في ملكه، فلا يتمكن ان يخدع أحداً من الناس، بل يكون موضع استهزاء وسخرية، اذ كل حال من احواله ستصرخ: ان هذا خدّاع. 
-----------------------------------------------------
(1) عن جابر رضي الله عنه قال، قال رسول الله y (لما كلم الله موسى يوم طور كلمه بغير الكلام الذي كلمه يوم ناداه، فقال له موسى: يارب أهذا كلامك الذي كلمتني به؟ قال: ياموسى انما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك) (انظر: الدر المنثور للسيوطي 3/536 ).

لايوجد صوت