ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | القسم السادس | 624
(621-645)

يدرك عقله، فينفر ويستثقل أعمال امثال هذا الرجل من المعجبين بأنفسهم وذلك بمضمون الحديث الشريف :
(اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله)(1).
وهكذا يسقط الاناني المفتون بحب الجاه واللاهث وراء الشهرة (الرجل الثاني) ويتردى الى اسفل سافلين في نظر جماعة غفيرة غير محدودة، ويكسب موقعاً مشؤوماً موقتاً لدى عدد من السفهاء الساخرين الطائشين، اذ لا يجد حوله غير أصدقاء مزيفين مضرين له في الدنيا وسبب عذابٍ في البرزخ واعداء في الآخرة كما قال تعالى : ﴿الأخلاءُ يَومَئذٍ بَعضُهم لبَعضٍ عَدوّ إلاّ المُتقينَ﴾(الزخرف:67).
اما الرجل في الصورة الاولى فإن لم يُزل حب الجاه من قلبه، يكسب نوعاً من مقام معنوي مشروع مهيب، يشبع اشباعاً تاماً عرق حب الجاه المغروز فيه، ولكن بشرط اتخاذ الاخلاص ورضى الله اساساً له، مع عدم اتخاذ حب الجاه هدفاً له.
فهذا الرجل يفقد شيئاً ضئيلاً، بل ضئيلاً جداً، مما لا اهمية له، ولكن يكسب عوضه شيئاً كثيراً، بل كثيراً جداً، مما له قيمة عظيمة مما لاضرر فيه. بل انه يطرد عن نفسه عدداً من الثعابين ويجد بدلاً عنها كثيراً من مخلوقات مباركة صديقاً له، فيستأنس بهم. او يكون كمن يهيّج ما حوله من الزنابير، الاّ انه يجلب لنفسه النحل التي هي سقاة شراب الرحمة فيستلم من ايديهم العسل. اي انه يجد من الاحباب من يفيض عليه بدعواتهم ويسقون روحه شراباً سلسبيلاً كالكوثر، يُجلب له من أطراف العالم الاسلامي، ويسجل ثواباً له في دفتر اعماله.
ولقد ألقيتُ ـ في وقت ما ـ فحوى التمثيل السابق بقوة وصرامة في وجه انسانٍ صغير كان يشغل مقاماً عظيماً دنيوياً، والذي اصبح

----------------------
(1) رواه الطبراني في الكبير (7497) وابو نعيم في الحلية (4/94) قال الهيثمي في المجمع (10/268) واسناده حسن. وانظر التفصيل في كشف الخفاء 1/42 ـ المترجم .

لايوجد صوت