فادعياء الحمية هنا، في هذه البلاد، وقد اعتادوا التقليد الاعمى، يقولون: (لما كان هذا الانقلاب قد حدث في الديانة النصرانية، وقد عُدّ الانقلابيون في بداية الامر مرتدين، ثم قُبلوا ايضاً نصارى، فيمكن إذن ان يحدث في الاسلام ايضاً انقلاب ديني كهذا).
الجواب: ان الفرق في هذا القياس أظهر مما في الاشارة الاولى، لأن: الاسس الدينية في النصرانية قد اُخذت وحدها عن سيدنا عيسى عليه السلام. بينما اكثر الاحكام التي تعود الى الحياة الاجتماعية والفروع الشرعية قد وضعت من قبل الحواريين، وبقية الرؤساء الروحانيين، وأخذ القسم الاعظم منها من الكتب المقدسة السابقة. لأن سيدنا عيسى عليه السلام، لم يَتول الحكم والسلطة، ولم يكن مرجعاً للقوانين الاجتماعية العامة، فلذلك أخذت القوانين العرفية والدساتير المدنية باسم الشريعة النصرانية، وكأن أسس دينه قد ألبست ثياباً من الخارج وأعطيت لها صورة اخرى. فلو بدّلت هذه الصورة وغيّرت تلك الثياب فان أسس دينه لاتتبدل. ولايؤدي هذا الامر الى تكذيبه وانكاره.
بينما سيدنا الرسول y الذي هو صاحب الدين والشريعة الاسلامية هو فخر العالم وسيد العالمين، واصبح كلٌ من الشرق والغرب والاندلس والهند عرشاً من عروش سلطانه، فكما انه y قد بين ـــ بذاته ـــ أسس الاسلام، فان فروع ذلك الدين ودساتير أحكامه، بل حتى أصغر أمر جزئي من آدابه هو الذي أتى به، وهو الذي يخبر عنه وهو الذي يأمر به، بمعنى ان الامور الفرعية في الشريعة الاسلامية ليست على صورة لباس وثياب قابلة للتغيير والتبديل. بحيث لو بدّلت لظلت أسس الدين ثابتة، بل انها جسد تلك الاسس وفي الاقل جلدها. اذ قد امتزجت والتحمت معها بحيث لاتقبل التفريق والفصل. وان تبديلها مباشرة يؤدي الى تكذيب صاحب الشريعة وانكاره.
اما اختلاف المذاهب فقد نشأ من اسلوب فهم الدساتير النظرية