ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | القسم السابع | 652
(646-660)

اما في النصرانية الحاضرة، فلقد ارتضت عقيدة البنوة، لذا تعطي للوسائط والاسباب تأثيراً حقيقياً، ولاتقاوم الانانية باسم الدين، بل تمنح الانانية نوعاً من القداسة، وكأنها وكيل مقدس عن سيدنا عيسى عليه السلام. ولأجل هذا فان خواص النصارى الذين يشغلون أرفع المقامات الدنيوية يستطيعون ان يكونوا متدينين تديناً كاملاً، ومنهم الكثيرون من امثال: (ولسن) وهو الرئيس الأسبق لأمريكا، و(لويد جورج) رئيس الوزراء الاسبق لانكلترا. فهؤلاء أصبحوا متدينين كأي قس متعصب لدينه.
بينما في المسلمين نادراً ما يظل الذين يلجون مثل هذه المقامات على صلابتهم الدينية، وقلما يكونون من اهل التقوى والصلاح، لعدم تركهم الانانية والغرور، والتقوى الحقيقية لاتجتمع والانانية والغرور.
نعم، كما ان تعصب خواص النصارى بدينهم، وتهاون خواص المسلمين بدينهم، يبين فرقاً مهماً ؛ كذلك اتخاذ الفلاسفة الذين برزوا في النصرانية طور المعارض او الاهمال لدينهم، وبناء أغلب الحكماء الذين ظهروا في الاسلام حكمتهم على اسس الدين، يدل على فرق مهم ايضاً.
ثم ان النصارى العوام الذين عانوا البلايا والمصائب وقضوا شطراً من حياتهم في السجون، لم ينتظروا العون من الدين ولم يرجوا منه شيئاً. فكان أكثرهم - في السابق - يضلون ويلحدون. حتى ان الثوار الذين أوقدوا الثورة الفرنسية والذين يطلق عليهم(الدهماء والفوضويون) المشهورون في التاريخ هم من اولئك العوام المنكوبين.
اما في الاسلام، فان الاكثرية المطلقة ممن أفنوا عمراً في السجون وقاسوا البلايا والمصائب ينتظرون العون والمدد من الدين بل يصبحون متدينين.
وهذه الحالة تدل على فرق آخر مهم ايضاً.

لايوجد صوت