والبغضاء من أضرار جسيمة، فاعلم أن الحرص ايضاً داءٌ كالعداء بل هو أضرَّ على الحياة الاسلامية وأدهى عليها. نعم، الحرصُ بذاته سببُ الخيبة والخذلان، وداءٌ وبيل ومهانة وذلة، وهو الذي يجلب الحرمان والدناءة.
ان الشاهد القاطع على هذا الحُكم على الحرص، هو ما اصاب اليهود من الذلة والمسكنة والهوان والسفالة لشدة تهالكهم على حطام الدنيا أكثر من أية أمةٍ أخرى.
والحرص يُظهِر تأثيرَه السئ بدءاً من أوسع دائرة في عالم الاحياء وانتهاء الى أصغر فرد فيه، بينما السعي وراء الرزق المكلل بالتوكل مدارُ الراحة والاطمئنان ويُبرز أثَره النافع في كل مكان.
مثال ذلك: أن النباتات والاشجار المثمرة المفتقرة الى الرزق ـ وهي التي تعدّ نوعاً من الأحياء ـ تُهرع اليها أرزاقُها سريعةً وهي منتصبة في أماكنها متّسمة بالتوكل والقناعة دون أن يبدو منها أثر للحرص، بل تتفوق على الحيوانات في تكاثرها وتربية ما تولّد من ثمرات. أما الحيوانات فلا تحصل على أرزاقها الا بعد جهد ومشقة وبكمية زهيدة ناقصة، ذلك لأنها تلهث وراءها بحرص، وتسعى في البحث عنها حثيثاً. حتى اننا نرى في عالم الحيوان نفسه أن الارزاق تُسبغ على الصغار الذين يعبِّرون عن توكلهم على الله بلسان حالات ضعفهم وعجزهم، فيُرسَل اليهم رزقُهم المشروع اللطيف الكامل من خزينة الرحمة الإلهية. بينما لا تحصل الحيوانات المفترسة التي تنقضّ على فرائسها بحرص شديد الاّ بعد لأيٍ كبير وتحرٍ عظيم.
فهاتان الحالتان تبينان بوضوح: أن الحرص سبب الحرمان، أما التوكل والقناعة فهما وسيلتا الرحمة والاحسان.
ونرى الحال نفسه في عالم الانسان اذ اليهود الذين هم أحرص الناس على حياة، ويستحبّون الحياةَ الدنيا على الآخرة، بل يعشقونها حب العاشق الولهان حتى سبقوا الامم في هذا المجال، قد ضُربت عليهم الذلة والمهانة، والحقت بهم حملات القتل بيد الامم الاخرى..