ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب الثاني والعشرون | 403
(388-411)

كل ذلك مقابل حصولهم بعد عناء طويل على ثروة رَبَوية محرمَّة خبيثة، لا ينفقون منها الا النزر اليسير، وكأن وظيفتهم كنزَها وادخارَها فحسب.. فيبين لنا هذا الحال: ان الحرص معدن الذلة والخسة والخسارة في عالم الانسانية.
وهناك وقائع كثيرة، وحوادث لا تدخل في الحصر بأن الحريص معرَّضٌ دائماً للوقوع في حومة الخسران، حتى جرى (الحريص خائب خاسر) مجرى الامثال الشائعة. واتخذه الجميع حقيقة عامة في نظرهم.
فما دام الامر هكذا، ان كنت تحب المال حباً جماً فاطلبه بالقناعة دون الحرص حتى يأتيك وافراً.
ويمكن أن نشبّه القانعين من الناس والحريصين منهم بشخصين يدخلان مضيفاً كبيراً أعدَّه شخص عظيم ذو شأن.. يتمنى أحدهما من أعماقه قائلاً: لو أن صاحب الديوان يأويني مجرد ايواء، وأنجو من شدة البرد الذي في الخارج لكفاني، وحسبي ذلك. ولو سمح لي بأي مقعد متيسّر في أدنى موقع فهو فضل منه وكرم. أما الآخر فيتصرف كأن له حقاً على الآخرين، وكأنهم مضطرون أن يقوموا له بالاحترام والتوقير، لذا يقول في أعماقه بغرور: على صاحب الديوان أن يوفّر لي أرفع مقعد وأحسنه. وهكذا يدخل الديوان وهو يحمل هذا الحرص ويرمق المواقع الرفيعة في المجلس، الا أن صاحب الديوان يرجّعه ويردّه الى أدنى موقع في المجلس،وهو بدوره يمتعض ويستاء ويمتلئ صدره غيظاً على صاحب الديوان. ففي الوقت الذي كان عليه أن يقدّم الشكر الذي يستوجبه، قام بخلاف ما يجب عليه، وأخذ بانتقاد صاحب الديوان، فاستثقله صاحبُ الديوان، بينما رحّب بالشخص الاول الذي دخل الديوان وهو يشعّ تواضعاً يلتمس الجلوس في أدنى مقعد متوفر، إذ سرَّته هذه القناعة البادية منه والتي بعثت في نفسه الانشراح والاستحسان وأخذ يرقيه الى أعلى مقام وأرقاه. وهو بدوره يستزيد من شكره ورضاه وامتنانه كلما صعدت به المراتب.

لايوجد صوت