ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب الثاني والعشرون | 404
(388-411)

وهكذا الدنيا، ديوانُ ضيافة الرحمن. ووجه الارض سُفرة الرحمة المبسوطة ومائدة الرحمن المنصوبة. ودرجات الارزاق ومراتب النعمة بمثابة المقاعد المتباينة.
ان سوء تأثير الحرص ووخامة عاقبته يمكن أن يشعر به كل واحد، حتى في أصغر الامور وأدقها جزئية.
فمثلاً: يمكن أن يشعر كل شخص استياءً واستثقالاً في قلبه تجاه متسول يلح عليه بحرص شديد، حتى أنه يردَّه، بينما يشعر اشفاقاً وعطفاً تجاه متسول آخر وقف صامتاً قنوعاً، فيتصدق عليه ما وسعه.
ومثلاً: اذا أردت أن تغفو في ليلة أصبتَ فيها بالأرق.. فانك تهجع رويداً رويداً ان أهملته ولم تبال به. ولكن ان حرصت على النوم وقلقت عليه وأنت تتمتم: تُرى متى أنام؟ أين النوم مني؟.. لتبدَّد النوم ولفقدتَه كلياً.
ومثلاً: تنتظر أحدهم بفارغ الصبر، وأنت حريص على لقائه لأمر مهم، فتشعر بالقلق قائلاً: لِمَ لم يأت.. ما بالُه تأخر؟ وفي النهاية يزيح الحرصُ الصبََر من عندك، ويضطرك الى مغادرة مكان الانتظار يائساً. واذا بالشخص المنتظر يحضر بعد هنيهة، ولكن النتيجة المرجوة قد ضاعت وتلاشت.
ان السر الكامن في أمثال هذه الحوادث وحكمتها هو:
مثلما يترتب وجود الخبز على أعمال تتم في المزرعة، والبيدر، والطاحونة، والفرن، فان ترتب الاشياء كذلك يقترن بحكمة التأنّي والتدرج، ولكن الحريص بسبب حرصه لا يتأنّى في حركاته ولا يراعي الدرجات والمراتب المعنوية الموجودة في ترتب الاشياء. فإما أنه يقفز ويطفر فيسقط، أو يدع احدى المراتب ناقصةً فلا يرتقي لغايته المقصودة.
فيا أيها الاخوة المشدوهون من هموم العيش والهائمون في الحرص على الدنيا! كيف ترضون لأنفسكم الذلة والمهانة في سبيل

لايوجد صوت