في البشرية طبقتين: الخواص والعوام. والزكاة تؤمّن الرحمة والاحسان من الخواص تجاه العوام وتضمن الاحترام والطاعة من العوام تجاه الخواص. وإلا ستنهال مطارق الظلم والتسلط على هامات العوام من أولئك الخواص، وينبعث الحقد والعصيان اللذان يضطرمان في أفئدة العوام تجاه الاغنياء الموسرين. وتظل هاتان الطبقتان من الناس في صراع معنوي مستديم، وتخوضان غمار معمعة الاختلافات المتناقضة، حتى يؤول الامر تدريجياً الى الشروع في الاشتباك الفعلي والمجابهة حول العمل ورأس المال كما حدث في روسيا.
فيا أهل الكرم وأصحاب الوجدان، ويا أهل السخاء والاحسان! إن لم تقصدوا بالاحسانات التي تدفعونها نيّةَ الزكاة، ولم تكن باسمها فان لها ثلاثة أضرار، بل قد تتلاشى سدىً دون نفع، ذلك لأنكم ان لم تمنحوها وتحسنوا بها في سبيل الله وباسم الله فانكم بلا شك ستبدون منّةً وتفضلاً ـ معنىً ـ فتجعلون الفقير المسكين تحت أسارة المنَّة وتكبلوه بأغلالها. ومن ثم تظلون محرومين من دعائه الخالص المقبول، فضلاً عن أنكم تكونون جاحدين بالنعمة لما تظنون أنكم أصحاب المال. وفي الحقيقة لستم الا مستخلفين مأمورين تقومون بتوزيع مال الله على عباده. ولكن اذا أدّيتم الاحسان في سبيل الله باسم الزكاة فانكم تنالون ثواباً عظيماً، وتكسبون أجراً عظيما، لأنكم قد أديتموه في سبيل الله. وأنتم بهذا العمل تبدون شكراً للنعم التي أسبغها الله عليكم. فتنالون الدعاء المقبول من ذلك المحتاج المعوز حيث لم يـضطر الى التملّق والتخوف منكم فاحتفظ بكرامته وإبائه فيكون دعاؤه خالصاً.
نعم أين ما تُمنح من أموال بقدر الزكاة بل أكثر منها، والقيام بحسنات بشتى صورها ودفع صدقات مع اكتساب أضرار جسيمة أمثال الرياء والصيت مع المنَّة والاذلال، من أداء الزكاة والقيام بتلك الحسنات بنيتها في سبيل الله، واغتنام فضل القيام بفريضة من فرائض الله، وكسب ثواب منه سبحانه، والظفر بالاخلاص والدعاء