ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب الثاني والعشرون | 409
(388-411)

ان الهمزة الموجودة في البداية، للاستفهام الانكاري حيث يسري حكمه ويسيل كالماء الى جميع كلمات الآية، فكل كلمة منها تتضمن حكماً.
ففي الكلمة الاولى تخاطب الآية الكريمة بالهمزة: أليس لكم عقل ـ وهو محل السؤال والجواب ـ ليعي هذا الامر القبيح؟
وفي الكلمة الثانية: (يحب) تخاطب الآية بالهمزة: هل فسد قلبكم ـ وهو محل الحب والبغض ـ حتى أصبح يحب اكره الاشياء واشدها تنفيراً.
وفي الكلمة الثالثة: (احدكم) تخاطب بالهمزة: ماذا جرى لحياتكم الاجتماعية ـ التي تستمد حيويتها من حيوية الجماعة ــ وما بال مدنيتكم وحضارتكم حتى اصبحت ترضى بما يسمم حياتكم ويعكر صفوكم.
وفي الكلمة الرابعة: (ان يأكل لحم) تخاطب بالهمزة: ماذا اصاب انسانيتكم؟ حتى اصبحتم تفترسون صديقكم الحميم. وفي الكلمة الخامسة: (اخيه) تخاطب بالهمزة: أليس بكم رأفة ببني جنسكم، أليس لكم صلة رحم تربطكم معهم، حتى اصبحتم تفتكون بمن هو اخوكم من عدة جهات، وتنهشون شخصه المعنوي المظلوم نهشاً قاسياً ، ايملك عقلاً من يعض عضواً من جسمه؟ اوَليس هو بمجنون؟.
وفي الكملة السادسة: (ميتاً) تخاطب بالهمزة: اين وجدانكم؟ أفسدت فطرتكم حتى اصبحتم تجترحون ابغض الاشياء وافسدها ـ وهو أكل لحم اخيكم ـ في الوقت الذي هو جدير بكل احترام وتوقير.
يفهم من هذه الآية الكريمة ـ وبما ذكرناه من دلائل مختلفة في كلماتها ـ ان الغيبة مذمومة عقلاً وقلباً وانسانية ووجداناً وفطرة وملةً. فتدبر في هذه الآية الكريمة، وانظر كيف انها تزجر عن جريمة الغيبة باعجاز بالغ وبايجاز شديد في ست مراتب. حقاًً ان الغيبة سلاح دنئ يستعمله المتخاصمون والحسّاد والمعاندون؛ لأن صاحب النفس العزيزة تأبى عليه نفسه ان يستعمل سلاحاً حقيراً كهذا.
وقديماً قال الشاعر:
واكبر نفسي عن جزاء بغيبة فكل اغتياب جهد من لا له

لايوجد صوت