ميرزا بديع الزمان. فقلت: يا سبحان الله.. ان هذا ليخاطبني انا بالذات، لأن لقب سعيد القديم كان بديع الزمان، ومع أنني ما كنت أعلم أحداً قد اشتهر بهذا اللقب غير(الهمداني) الذي عاش في القرن الرابع الهجري. فلابد ان يكون هناك احد غيره قد عاصر الامام الرباني السرهندي وخوطب بهذا اللقب، ولابد ان حالته شبيهة بحالتي حتى وجدت دوائي بتلك الرسالتين.. والامام الرباني يوصي مؤكداً في هاتين الرسالتين وفي رسائل اخرى أن:
(وحّد القبلة)(2) أي: اتبع اماماً ومرشداً واحداً ولا تنشغل بغيره!
لم توافق هذه الوصية -آنذاك- استعدادي واحوالي الروحية.. واخذت أفكر ملياً: ايهما اتبع!. أأسير وراء هذا، أم أسير وراء ذاك؟ احترت كثيراً وكانت حيرتي شديدة جداً، اذ في كل منهما خواص وجاذبية، لذا لم استطع ان اكتفي بواحد منهما.
وحينما كنت اتقلب في هذه الحيرة الشديدة.. اذا بخاطر رحماني من الله سبحانه وتعالى يخطر على قلبي ويهتف بي:
- ان بداية هذه الطرق جميعها.. ومنبع هذه الجداول كلها.. وشمس هذه الكواكب السيارة.. انما هو(القرآن الكريم)فتوحيد القبلة الحقيقي اذن لا يكون الا في القرآن الكريم.. فالقرآن هو أسمى مرشد.. وأقدس استاذ على الاطلاق.. ومنذ ذلك اليوم اقبلت على القرآن واعتصمت به واستمددت منه.. فاستعدادي الناقص قاصر من ان يرتشف حق الارتشاف فيض ذلك المرشد الحقيقي الذي هو كالنبع السلسبيل الباعث على الحياة، ولكن بفضل ذلك الفيض نفسه يمكننا ان نبين ذلك الفيض، وذلك السلسبيل لأهل القلوب واصحاب الأحوال، كلٌ حسب درجته. فـ(الكلمات)والانوار المستقاة من القرآن الكريم (أي رسائل النور) اذن ليست مسائل علمية عقلية وحدها بل ايضاً مسائل قلبية، وروحية، وأحوال ايمانية.. فهي بمثابة علوم إلهية نفيسة ومعارف ربانية سامية.
--------------------
(2) قام السيد محمد مراد بترجمة(مكتوبات)الامام الرباني وسماها(الدرر المكنونات). والعبارة المذكورة في المكنوب الخامس والسبعين 1/78 من ط 2 الترجمة العربية -. والعبارة هي: لكن لا بد من أن تراعي شرطاً واحداً وهو نوحسد قبلة التوجه ، فإن جعل قبلة التوجه متعددة إلقاء للسالك نفسه الى التفرقة, المترجم.