ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | القسم السادس | 630
(621-645)

ان الاشجار التي هي نوع من الاحياء، والمحتاجة للرزق تقف منتصبة في مكانها، يأتيها رزقها ساعياً لها. بينما الحيوانات لاتتغذى ولاتنمو كالاشجار تغذية ونمواً كاملاً بسبب حرصها ولهاثها وراء الرزق. وان اقل الاسماك ذكاءً وأشدها بلادة واكثرها ضعفاً وعجزاً تتغذى بأفضل وجه مع انها تعيش في الرمل فتظهر بدينة بصورة عامة، بينما القردة والثعالب وامثالهما من الحيوانات المالكة للذكاء والقدرة تكون هزيلة ضعيفة لسوء معيشتها.
كل ذلك يدل على ان وساطة الرزق ليست الاقتدار بل الافتقار.
وان حسن المعيشة التي يرفل بها الصغار ـ سواءً أكانوا اناساً أم حيوانات ـ والاحسان اليهم باللبن الخالص هدية لطيفة تقدم من خزينة الرحمة الإلهية من حيث لايحتسبون؛ رحمةً لضعفهم وشفقة على عجزهم، وضيق العيش في الوحوش الضارية، يدل على ان وسيلة الرزق الحلال هي العجز والافتقار وليست الذكاء والاقتدار.
وان اليهود المشهورين بانهم أحرص الناس على الحياة الدنيا، يسبقون الامم في سعيهم وراء الرزق، بينما هم اكثر الأمم ذلة ومهانة، واكثرهم تعرضاً لسوء المعيشة، بل حتى أغنياؤهم يعيشون عيشاً ذليلاً. ولاتجرح مسألتنا هذه تلك الاموال التي يحصلون عليها بالربا وامثالها من الطرق غير المشروعة، لانها ليست من الرزق الحلال.
وان كثيراً من الادباء والعلماء يعيشون عيش الكفاف، في حين يُثرى كثير من البلداء والبلهاء.. كل ذلك يدل على ان وسيلة جلب الرزق ليست بالذكاء والاقتدار، بل بالعجز والافتقار وبالتسليم المتسم بالتوكل، وبالدعاء بلسان المقال والحال والفعل.
والآية الكريمة : ﴿إنّ الله هُوَ الرّزَاقُ ذُو القُوةِ المَتين﴾(الذاريات:58) تعلن هذه الحقيقة، وهي برهان قوي عظيم لدعوانا هذه، بحيث تتلوها جميع النباتات والحيوانات واطفال الانسان بلسان الحال، بل تتلوها كل طائفة تطلب الرزق.

لايوجد صوت