لم اتدخل في دنياكم حتى في خضم تلك الحوادث المثيرة، أفيمكن ان يتدخل فيها من هو في دار الغربة، وهو وحيد منفرد وضعيف عاجز، متوجه بكل وسعه للآخرة، منقطع عن الاختلاط والمراسلات، ولم يجد الاّ بضع اصدقاء في طريق الآخرة، وهو الغريب عن الناس، كما ان الناس اصبحوا غرباء عنه، بل ينظر اليهم هكذا.. هذا الانسان اذا تدخل في دنياكم العقيمة والخطرة ينبغي له أن يكون مجنوناً مضاعفاً.
النقطة الخامسة: تخص خمس مسائل صغيرة:
اولاها: يقول لي اهل الدنيا: لِمَ لا تطبّق على نفسك اصول مدنيتنا وآدابها، ولا تعيش على وفق طراز حياتنا، ولا تلبس هيئة ملابسنا؟ بمعنى انك معارض لنا؟.
وأنا أقول: ايها السادة! بأي حق تكلفونني ان اطبق آداب مدنيتكم؟ فانتم قد اجبرتموني على الاقامة ظلماً في قرية طوال خمس سنوات، ومنعتموني حتى عن المراسلات والاختلاط مع الناس، وكأنكم قد أسقطتموني من الحقوق المدنية، فضلاً عن انكم جردتموني - بغير سبب - من كل شئ، ولم تسمحوا لي أن اقابل اهل مدينتي - سوى واحد أو اثنين - علماً انكم قد اطلقتم سراح جميع المنفيين، وسمحتم لهم بالاقامة بين اهليهم وذويهم في المدن ومنحتموهم شهادات ترخيص بذلك.. فهذه المعاملات تعني انكم لا تعدونني من افراد الامة ولا من رعايا هذا الوطن، فكيف اذن تكلفونني تطبيق قوانين مدنيتكم؟
وانتم قد ضيقتم عليّ الدنيا على سعتها وجعلتموها لي سجناً، أفيكلف من هو في السجن بمثل هذه الامور؟.
وانتم قد اقفلتم عليّ باب الدنيا، وانا بدوري طرقت باب الآخرة، ففتحته الرحمة الإلهية، فكيف يطالَب من هو واقف في باب الاخرة أن يطبق عادات اهل الدنيا وادابها المشوشة؟
فمتى ما اطلقتموني حراً، واعدتموني الى مدينتي وموطني، واعطيتموني حقوقي كاملة، فلكم عندها أن تطالبوا بتطبيق ادابكم!