ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب السادس عشر | 98
(87-109)

في امورها؟ ثم كيف نعرف انك لا تخدعنا ولا تكيد بنا، اذ تظهر نفسك بمظهر التارك للدنيا الذي لا يأخذ اموال الناس ظاهراً، وربما يأخذها خفية، فكيف نعرف ان ذلك ليس مكراً؟
الجواب: ان احوالي قبل عشرين سنة في المحكمة العسكرية العرفية، واطواري قبل اعلان الدستور(1) ، وفي الدفاع الذي صدر في كتاب (شهادة مدرستي المصيبة) معروفة لدى الذين يعرفونني.. كل ذلك يبين بياناً شافياً: انني قد أمضيت حياتي لم اتنازل الى شئ من الخديعة بل حتى الى أدنى حيلة، فلو كانت ثمة حيل لحصلت المراجعة واللجوء اليكم مع تزلّف وتملق خلال هذه السنوات الخمس. اذ المحتال يحاول ان يحبب نفسه الى الناس دوماً بل يسعى الى اغفالهم وخداعهم، وليس من شأنه تجنبهم والابتعاد عنهم. والحال انني لم اتنازل الى التذلل للآخرين على الرغم من جميع الهجمات النازلة بي والانتقادات الموجهة اليّ، بل اعرضت عن اهل الدنيا متوكلاً على المولى القدير وحده. ثم ان الذي عرف حقيقة الآخرة وكشف عن حقيقية الدنيا لا يندم ابداً، ان كان ذا لب. ولا يتشبث بالعودة الى الدنيا مرة اخرى. ثم ان من كان وحيداً فريداً لا علاقة له مع أحد، لا يضحى بحياته الابدية لثرثرة دنيوية وتهريجاتها بعد قضاء خمسين سنة من العمر. بل لو ضحى بها، لا يكون حيالاً بل مجنوناً، وماذا عسى ان يفعل المجنونُ حتى يُهتم به؟
اما الشبهة الواردة حول كوني طالباً للدنيا باطناً وعازفاً عنها ظاهراً. فاقول:
بمضمون الآية الكريمة: ﴿وَمَآ اُبَرِّئُ نَفْسي اِنَّ النَّفْسَ لاَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾(يوسف:53)
انني ما ابرئ نفسي ابداً، انها تروم كل فساد. ولكن خسران حياة دائمة وسعادة خالدة لأجل لذة قليلة، في هذه الدنيا الفانية، في هذا

------------------------------------------

(1) اي اعلان النظام البرلماني في الدولة العثمانية وذلك في 23 تموز 1908م - المترجم

لايوجد صوت