ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب التاسع عشر | 308
(163-327)

لقد اثار القرآن الكريم لدى الناس من أول ما برز الى ميدان التحدي رغبتين شديدتين:
أولاهما:
رغبة التقليد لدى أوليائه، اي حبّهم الشديد بالتشبه باسلوبه الرفيع، فاشتاقوا الى تشبيه اسلوبهم به.
ثانيتها:
الرغبة في المعارضة والنقد التي تولدت لدى الأعداء والخصماء، أي اتيان اسلوب مثله لدحض دعوى الاعجاز.
فهاتان الرغبتان الشديدتان سببتا ظهور ملايين الكتب العربية الماثلة أمامنا، ولكن لو قارنا أبلغ هذه الكتب وأوضحها قاطبة بالقرآن الكريم، أي لو قرأناهما معاً لقال كل سامع وقارئ بلا تردد، ان القرآن لا يشبه أياً من هذه الأساليب، فهو اذاً ليس بمستوى تلك الكتب، فإما أنه أدنى اسلوباً من الجميع، وهذا محال بلا أدنى ريب، ولم يتفوه به أحد قط بل حتى الشيطان يعجز عن أن يتفوه بهذا(1)، فثبت اذاً ان اسلوب القرآن الكريم فوق الجميع وذلك باعجازه الرائع.
بل ان (العامي الجاهل) الذي لا يفهم شيئاً من معاني القرآن الكريم يشعر باعجاز القرآن من عدم سأمه في التلاوة. فيحاور ذلك العامي الجاهل قائلاً: ان الاستمرار على تلاوة هذا القرآن لا يولد السأم قط، بل تزيد كثرة تلاوته حلاوتَه، بينما لو أستمعت الى قصائد جميلة رائعة لمرات عدة فاني اشعر بالملل، لذا فالقرآن ليس بكلام بشر بلا شك.
ثم ان (الاطفال) الذين يرغبون في حفظ القرآن الكريم، يظهر لهم اعجازه في قدرتهم على حفظه في عقولهم اللطيفة الصغيرة، على الرغم من وجود مواضع متشابهة تلتبس عليهم، فتراهم يحفظون القرآن الكريم بكل سهولة ويسر بينما يعجزون عن حفظ صحيفة واحدة من غيره.
بل حتى (المرضى والمحتضرين) في سكرات الموت ممن 
-----------------------------------------------------------
(1) ان المبحث الأول المهم للمكتوب السادس والعشرين يوضح هذه الفقرة. - المؤلف.

لايوجد صوت