ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب التاسع عشر | 310
(163-327)

﴿مثنى﴾ ثلاث مرات، وتناظر أثنتين منها ليس موضع المصادفة قطعاً.
ولهذا النوع من التناظر والتقابل أمثلة كثيرة جداً في المصحف الشريف حتى ان الكلمة الواحدة تتكرر في ما يقرب من ست مواضع، فاذا اُوصل بينها بثقب لتراءت الأخريات بانحرافٍ يسير.
ولقد شاهدتُ مصحفاً خُطَّت الجمل المتناظرة في كل صحائفه المتقابلة بخط أحمر، فقلت آنذاك: (هذه الأوضاع انما هي أمارات لنوع من الاعجاز)، ثم بعد ذلك أخذتُ انظر الى جمل القرآن الكريم فرأيت أن كثيراً منها تتناظر من خلال الصفحات تناظراً ينم عن معنى دقيق.
ولما كان ترتيب القرآن المتداول توقيفياً بارشاد من الرسول y، وقد خطَّه خطاطون مُلهَمون، فان في نقشه البديع وفي خطه الجميل اشارة الى نوع من علامات الاعجاز، وذلك لأن هذا الوضع لا يمكن أن يكون مصادفة ولا نابعاً من نتاج فكر انسان. فلولا قصور الطبع لطابقت الكلمات المتناظرة مطابقة تامة.
ثم اننا نرى ان في السور المدنية المطولة والمتوسطة تكراراً بديعاً منسقاً للفظ الجلالة ﴿الله﴾، فهو في الغالب يتكرر باعداد معينة، اما خمس أو ست أو سبع أو ثمان او تسع مرات أو احدى عشرة مرة فضلاً عن انه يبين مناسبة عددية لطيفة على وجهي ورقة المصحف والمتقابلتين(1)(2)(3)(4).
 -------------------------------------------------------------
(1) وكذا انه أزاء (اهل الذكر والمناجاة)، فان ألفاظ القرآن الكريم الجميلة والمقفاة واسلوبه الفصيح البديع، ومزايا بلاغته التي تستقطب الأنظار، رغم انها كثيرة جداً فانها تمنح جدية سامية، وحضوراً وسكينة تامة، وجمعاً للخواطر دون تشتيتها، بينما أمثال تلك المزايا للفصاحة والصنعة اللفظية والتقيد بالنظم والقافية تخل بالاخلاص والجدية - رغم ما يشف عن ظرافة لفظية - وتفسد اطمئنان القلب وسكينته وتشتت افكار المتأمل. حتى أن ألطف المناجاة واكثرها اخلاصاً وجديّة واعلاها نظماً هي مناجاة الأمام الشافعي المشهورة، والتي كانت سبباً لرفع الغلاء والقحط عن مصر، فكنتُ أقرأها كثيراً، فرأيت: ان كونها نظماً ومقفاة، لا تحافظ على الأخلاص التام والجد السامي في المناجاة، ورغم انها كانت من اورادي منذ ما يقرب من تسع سنوات فلم أتمكن أن أوفّق بين الجدية والاخلاص في المناجاة والنظم والقافية، فأيقنت ان القافية الفطرية الممتازة الخاصة بالقرآن الكريم ومزايا نظمه انما

لايوجد صوت