رابعتها: معرفة الحوادث الماضية والوقائع الكونية.
وجاء القرآن الكريم يتحدّى أرباب هذه المعارف الاربعة.
فجثا البلغاء والفصحاء اولاً مبهوتين أمام بلاغته المعجزة، منصتين اليه في حيرة واعجاب.
وجعل الشعراء والخطباء في ذهول من امرهم، حتى انه حطّ من شأن ما كانوا يعتزون به من (المعلقات السبع) التي تمثل افضل نماذج شعرهم، بل كتبوها بماء الذهب وعلقّوها على جدار الكعبة.
وأفقد الكهان والسحرة صوابهم وأنساهم ما كانوا يتكلمون به من انباء الغيب، حيث طرّد جِنَّهم وأسدل الستار على الكهانة وسد ابوابها الى الأبد.
وانقذ قراء تاريخ الامم السالفة وحوادث العالم مما يطرأ عليها من الخرافات والافتراءات والاكاذيب، وارشدهم الى احداث الماضي ووقائع الكون النيرة.
وهكذا جثت على الركب هذه الطبقات الاربعة أمام عظمة القرآن الكريم، والحيرة والاجلال يغمرهم، فشرعوا يتتلمذون على يديه، ويتلقون منه الهداية والرشاد، فلم يظهر قط ان استطاع احدٌ من هؤلاء على القيام بمعارضة القرآن بشئ مهما كان ، ولو بسورة واحدة.
وان قيل:
كيف نعرف انه لم يبرز احدٌ في ميدان المعارضة، ولم يتمكن احد من الإتيان بمثل القرآن، وكيف نعرف ان إتيان النظير بحد ذاته امرٌ مستحيل؟.
الجواب: لو كانت المعارضة ممكنة، فلا محالة كانوا يحاولونها. وما كان أحد يتوانى في هذا الأمر، اذ الحاجة الى المعارضة كانت ماسة، وذلك للنجاة من خطر التحدي لانقاذ دينهم واموالهم وانفسهم واهليهم؛ لذا لو كانت المعارضة ممكنة لما احجم احدٌ عنها ابداً، ولكان الكفار والمنافقون - وهم الأغلبية - يشيعون خبرها في الاوساط، بل يبثونها في الارجاء كافة مثلما كانوا يبثون كل ما يعادي الاسلام.. ثم لو كانوا ناشرين لها - فيما لو كان الاعتراض ممكناً -