سبحانه هو الذي صرف الجن والانس عن القدرة على المعارضة، فلو لم يصرفهم الله سبحانه عن الاتيان بالمثل لكان الجن والانس بمقدورهم الاتيان بمثله.
وهكذا فالعلماء الذين يقولون وفق هذا المذهب: (لا يمكن معارضة القرآن حتى بكلمة واحدة) هو كلام حق لا مراء فيه؛ لأن الله سبحانه قد منعهم عن ذلك اظهاراً للاعجاز، فلا يستطيعون اذن ان يتفوهوا بشئ للمعارضة، ولو ارادوا قول شئ ما للمعارضة فلا يقدرون عليه من غير ارادة الله ومشيئته.
أما بالنسبة للمذهب الاول وهو الراجح والذي ارتضاه معظم العلماء، فلهم فيه وجه دقيق:
ان كلمات القرآن الكريم وجُمله ينظر بعضها الى البعض الآخر، فتتواجه وتتناظر الكلمات والجمل، فقد تكون كلمة واحدة متوجهة الى عشرة مواضع، وعندها تجد فيها عشر نكات بلاغية، وعشر علاقات تربطها مع الكلمات الاخرى، وقد ذكرنا هذه العلاقات في تفسيرنا (اشارات الاعجاز في مظان الايجاز) سواء في سورة الفاتحة أم في مقدمة سورة البقرة. ﴿الم ذلك الكتاب لاريب فيه﴾.
ولنوضح ذلك بمثال:
لو تصورنا قصراً عظيماً جدرانُه منقشة بنقوش بديعة، ومزيّنة بزخارف رائعة، فإنّ وضعَ حجرٍ يحمل العقدة الاساس لتلك الزخارف والنقوش في موضعه اللائق به - بحيث يرتبط معها جميعاً ويشرف عليها جميعاً - يحتاج الى معرفة كاملة بتلك النقوش جميعها وبتلك الزخارف التي تملأ جدران القصر.
ومثال آخر؛ نأخذه من جسم الانسان: ان وضع بؤبؤ عين الانسان في موضعه اللائق يتوقف على معرفة علاقة العين بالجسم كله، ومعرفة مدى علاقة وارتباط بؤبؤ العين بكل جزء من اجزاء الجسم وبوظيفته.
فقس على هذين المثالين لتعلم كيف بيّن السابقون من اهل الحقيقة ما في كلمات القرآن من الوجوه العديدة والعلاقات والاواصر