من الكلمة الثانية والثلاثين.
ثانياً: ان الذي دعا محي الدين بن عربي الى أن يقول هذا الكلام لفخر الدين الرازي وهو امام من ائمة الكلام هو: ان ما بينه أئمة اصول الدين وعلماء الكلام فيما يخص العقائد ووجود الله سبحانه وتوحيده غيركاف في نظر ابن عربي.
حقاً! ان معرفة الله المستنبطة بدلائل علم الكلام ليست هي المعرفة الكاملة، ولا تورث الاطمئنان القلبي، في حين ان تلك المعرفة متى ما كانت على نهج القرآن الكريم المعجز، تصبح معرفة تامة وتسكب الاطمئنان الكامل في القلب. نسأل الله العلي القدير أن يجعل كل جزء من اجزاء رسائل النور بمثابة مصباح يضئ السبيل القويم النوراني للقرآن الكريم.
ثم ان معرفة الله التي استقاها الرازي من علم الكلام كما تبدو ناقصة وقاصرة في نظر ابن عربي، فان المعرفة الناتجة عن طريق التصوف ايضاً ناقصة ومبتورة بالنسبة نفسها امام المعرفة التي استقاها ورثة الانبياء من القرآن الكريم مباشرة، ذلك لأن ابن عربي يقول (لا موجود إلاّ هو) لأجل الحصول على الحضور القلبي الدائم، أمام الله سبحانه وتعالى، حتى وصل به الأمر الى انكار وجود الكائنات.
أما الآخرون فلاجل الحصول على الحضور القلبي ايضاً قالوا: (لا مشهود الاّ هو) وألقوا ستار النسيان المطلق على الكائنات واتخذوا طوراً عجيباً.
بينما المعرفة المستقاة من القرآن الكريم تمنح الحضور القلبي الدائم، فضلاً عن انها لا تقضي على الكائنات بالعدم ولا تسجنها في سجن النسيان المطلق، بل تنقذها من الاهمال والعبثية وتستخدمها في سبيل الله سبحانه، جاعلة من كل شئ مرآة تعكس المعرفة الالهية وتفتح في كل شئ نافذة الى المعرفة الإلهية، كما عبر عنها سعدي الشيرازي شعراً: