المسألة الثالثة
سؤال: ماوجه التوفيق بين الآية الكريمة: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم..﴾(الاسراء:70) والآية الكريمة: ﴿انه كان ظلوماً جَهولاً﴾(الاحزاب:72)؟.
الجــواب: ان ايضاح هذا السؤال موجود في كل من الكلمات (الحادية عشرة) و (الثالثة والعشرين)، والثمرة الثانية من الغصن الخامس من الكلمة (الرابعة والعشرين). ومجمله هو الآتي:
ان الله سبحانه وتعالى يخلق بقدرته الكاملة اشياء كثيرة جداً من شئ واحد كما يسوق شيئاً واحداً الى القيام بوظائف كثيرة جداً. فيكتب ألف كتاب وكتاب في صحيفة واحدة.
وقد خلق سبحانه وتعالى الانسان ايضاً نوعاً جامعاً لكثير من الانواع. اي انه قد أراد أن ينجز بنوع الانسان ما تنجزه الدرجات المختلفة لجميع انواع الحيوانات. بحيث لم يحدّد قوى الانسان ورغباته بحدود وقيود فطرية، بل جعلها حرة طليقة، بينما حدّد قوى سائر الحيوانات ورغباتها، اي انها تحت قيود فطرية. بمعنى ان كل قوة من قوى الانسان تتجول في ميدان فسيح واسع جداً، لاتتناهى، لان الانسان مرآة لتجليات لانهاية لها لاسماء رب العالمين، لذا فقد منحت قواه استعداداً لانهاية لها.
فمثلاً: لو اعطي الانسان الدنيا برمتها، لطلب المزيد بحرصه، وانه يرضى بإلحاق الضرر بالوف من الناس في سبيل منفعة ذاتية!.
وهكذا تنكشف امام الانسان درجات لاحدّ لها من الاخلاق السيئة، حتى توصله الى دركات النماردة والفراعنة. فيكون مصداق صفة ظلوماً بحق (بالصيغة المبالغة)، كما تنفتح امامه درجات الرقي التي لامنتهى لها في الخصال الحميدة حتى بلغ مرتبة الانبياء والصديقين.
ثم ان الانسان ـ بخلاف الحيوان ـ جاهل كل ما يخص الحياة