ولكن ما دام اهل الجذب والاستغراق ليسوا مسؤولين عن مخالفاتهم، لما في الانسان من لطائف لا ترضخ للتكاليف الشرعية، فعندما تتحكم فيه تلك اللطيفة لا يبقى مسؤولا امام التكاليف الشرعية، ومادام في الانسان لطائف اخرى لا ترضخ لارادة الانسان كعدم رضوخها للتكاليف، بل لا تنقاد لتدبير العقل ولا تذعن لاوامر القلب والعقل.. فلا بد ان تلك اللطيفة عندما تستحوذ على شخص ما فانه لا يسقط من مرتبة الولاية بمخالفته الشرع، وانما يعد معذوراً - في تلك الاثناء فقط - بشرط الا يصدر عنه شئ ينافي حقائق الشرع وقواعد الايمان انكاراً او تزييفاً او استخفافاً. وينبغي ان يصدق بأحقية الشرع وان لم يكن يؤدي حقه حق الاداء.. والا اذا غلبت عليه الحال، وصدر عنه ما يشم منه التكذيب والانكار لتلك الحقائق المحكمة - نعوذ بالله - فذلك علامة الهلاك.
حاصل الكلام: ان اهل الطريقة الذين هم خارج دائرة الشرع قسمان:
قسم منهم كما ذكرناه آنفاً، فهؤلاء اما ان يكون قد غلب عليه الحال والاستغراق والجذب والسكر. او يكون مغلوباً لسيطرة لطائف لا تنقاد للتكاليف ولا تعير بالاً للارادة، فيخرج من دائرة الشرع.
ولكن هذا الخروج لا ينشأ من عدم الرضى بالشرع، او من رفض الاحكام الشرعية، بل يترك تلك الاحكام اضطراراً دون ارادة منه، فهناك اولياء من هذا القسم، فضلاً عن ان اولياء كباراً قد قضوا فترة بينهم متلبسين بهذه الحال. بل من هذا النوع مَن حكم عليهم اولياء محققون، انهم ليسوا خارجين عن دائرة الشرع وحدها، بل منهم مَن هو خارج عن دائرة الاسلام. الا بشرط ألاّ يكذبوا بجميع ما جاء به الرسول y مِن احكام، مع انهم لا يؤدون حقها، إما لعدم تفكرهم بها، او لعدم استطاعتهم التوجه اليها، او لعدم تمكنهم من معرفتها، او عدم فهمها. ولكن اذا عرفها احد منهم ورفضها فقد هلك.