اما القسم الثاني: فهم المنجذبون لنشوة الاذواق البراقة للطريقة والحقيقة فلا يبالون بالحقائق الشرعية التي هي ارقى من مستوى مذاقهم. ويعتبرها احدهم غير ذات مذاق لعجزه عن بلوغها. فيؤديها صورية شكلية، وهكذا يبلغ به الامر تدريجياً الى ان يظن ان الشريعة مجرد قشر ظاهري، وان ما وجده من الحقيقة هو الاساس والغاية والقصد، فيقول: حسبي ماوجدته. فيقوم بافعال مخالفة لما يأمر به الشرع! فالذين لم يفقدوا شعورهم وعقولهم من هذا القسم مسؤولون عن اعمالهم، ويدانون، بل يهلكون، حتى يكون قسم منهم موضع هزء وسخرية للشيطان.
النكتة الرابعة:
ان اشخاصاً من الفرق الضالة والمبتدعة يكونون من المقبولين بنظر الامة، غير ان امثالهم تردّهم الامة وترفضهم دون ان يكون هناك فرق ظاهري بينهما!!
كنت في حيرة من هذا الامر، فالزمخشري(1) المعتزلي الشديد التعصب لمذهبه لا يكفره اهل التحقيق من اهل السنة ولا يدرجونه في صفوف الضالين على الرغم من اعتراضاته القاسية عليهم، بل يجدون له مبرراً ومجالاً للنجاة، الا ان أبا علي الجبائي(2) وهو ايضاً من ائمة المعتزلة يطرده اهل السنة المحققون ويعدون آراءه مردودة مع انه اخف تعصباً من السابق بكثير، كان هذا يأخذ قسطاً كبيراً من تفكيرى، ثم فهمت بلطف إلهي:
-------------------
(1) هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري جارا. ولد بزمخشر سنة 467 توفي بعد رجوعه من مكة المكرمة سنة 538هـ. إمام عصره في اللغة والتفسير، له (الكشاف عن حقائق التنزيل) و (والفائق في غريب الحديث) و (المفصل) في النحو واساس البلاغة وغيرها. - المترجم.
(2) هو أبو علي محمد بن عبدالوهاب بن سلام الجبائي من أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره. واليه نسبة الفرقة الجبائية، له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب، نسبته الى جبي من قرى البصرة. ولد سنة 235 وتوفي سنة 303هـ، تنسب اليه عدة مصنفات، جميعها مفقودة، منها تفسير مطول وكتاب في علم الأصول ورسائل في الرد على النظام والراوندي. - المترجم.