يفاض عليهم من الكرامات والاذواق والانوار، تلك التي توهب ولا تسأل اذ يمنحها الله سبحانه تقوية للضعفاء، وتشجيعاً للمتكاسلين، وتخفيفاً من المشقة والسأم - الذي يعتريهم من شدة الاجهاد في العبادة - فينجرون الى تفضيل تلك الكرامات والاذواق والانوار على فروض الدين والخدمة تحت لوائه وقراءة الاذكار والاوراد، فيسقطون في هذا المزلق.
وقد سبق ان اجملنا في النقطة الثالثة من التلويح السادس وفي كلمات اخرى، بأن هذه الدنيا هي دار خدمة وعمل وليس دار ثواب ومكافأة، فالذين يرغبون في قطف ثمار اعمالهم في هذه الحياة الفانية، انما يستبدلون المكافأة الدنيوية الفانية بثمار الاخرة الابدية الباقية، فضلاً عن ان هذا يدل على بقايا تعلق بالدنيا ورغبة في الاستمتاع بها، ويكون هذا سبباً في خفوت شوقهم وتطلعهم الى الحياة البرزخية، بل يريدون هذه الحياة، اذ يجدون فيها نوعاً من ثمار الآخرة.
السادسة:
وهي المنزلق الذي يقع فيه قسم من سالكي الطرق الصوفية من غير اهل الحقيقة عندما يلتبس عليهم الامر فيتوهمون بان ظلال مقامات الولاية ونماذجها المصغرة كأنها هي المقام الحقيقي والكلي والاصلي..
ولقد اثبتنا في الغصن الثاني من (الكلمة الرابعة والعشرين) وفي كلمات اخرى بما لاشك فيه؛ ان الشمس وان تعددت صورها بتعدد المرايا التي تنعكس عليها، فهذه الصور تملك ضياء الشمس وحرارتها ولكن ليس هو الضياء الاصلي نفسه، ولا هي الحرارة نفسها فهي باهتة الانوار بالنسبة للشمس الحقيقية.
كذلك فان لمقام النبوة ولمقام كبار الاولياء، شيئاً من الظلال التي يمكن لاهل الطرق ان يستظلوا بها، ولكنهم يظنون اثناء دخولهم فيها انهم اعظم درجة من كبار الاولياء، بل حتى من الانبياء - والعياذ بالله - فيسقطون في مزلق.