بمرور الزمن، في هذا المجتمع ادّى الى وضع عوائق مهمة ازاء الرغبة في تطبيق العدالة المحضة، فغدا تطبيقها صعباً، لذا فقد اجتهدوا على اساس بالعدالة النسبية التي هي اختيار لأهون الشرين.
ولكن، لأن المنافسة حول هذين النوعين من الاجتهاد آلت الى ميدان السياسة، فقد نشبت الحرب بين الطرفين. وحيث أن كل طرف قد توصل الى اجتهاده بنية خالصة ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى ومصلحة الاسلام، ونشبت الحرب نتيجة هذا الاجتهاد الخالص لله، فيصح أن نقول: القاتل والمقتول كلاهما من أهل الجنة، وكلاهما مأجوران مثابان، رغم معرفتنا أن اجتهاد الامام علي رضي الله عنه كان صواباً وان اجتهاد مخالفيه مجانب للصواب. وهؤلاء المخالفون ليسوا اهلاً للعقاب الاخروي. اذ المجتهد لله اذا أصاب فله اجران وان اخطأ فله اجر واحد، أي أنه ينال ثواب بذله الجهد في الاجتهاد، وهو نوع من العبادة، اي هو معذور في خطئه.
وقد قال أحد اعلام علمائنا المحققين ويعدّ قوله حجة، شعراً باللغة الكردية:
ذى شر صحابان مَكَه قال وقيل لورا جنتينه قاتل وهم قتيل
أي لا تخض فيما وقع بين الصحب الكرام؛ لأن القاتل والمقتول كليهما في الجنة.
أما ايضاح الفرق بين العدالة المحضة والعدالة الاضافية فهو:
ان حق الشخص البرئ الواحد لا يبطل لأجل الناس جميعاً، اي أن حقه محفوظ، وهذا المعنى هو الذي تشير اليه الآية الكريمة ﴿مَنْ قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً﴾(المائدة: 32) فلا يُضحى بفردٍ واحد لأجل الحفاظ على سلامةٍ الجميع؛ اذ الحق هو حق ضمن اطار الرحمة الإلهية، فلا يُنظر الى كونه صغيراً أو كبيراً، لذا لا يُفدى بالصغير لأجل الكبير، ولا بحياة فرد وحقه لأجل سلامة جماعة والحفاظ عليها، ان لم يكن له رضى في الأمر. اما اذا كانت التضحية برضاه ورغبة منه فهي مسألة اخرى.