احواله وافعاله خارقة للعادة؛ ذلك لأن الله سبحانه قد أرسله بشراً رسولاً، ليكون باعماله وحركاته كلها إماماً ومرشداً للبشر كافة، وفي احوالهم كافة، ليحقق لهم بها سعادة الدنيا والآخرة وليبيّن لهم خوارق الصنعة الربانية وتصرف القدرة الإلهية في الأمور المعتادة، تلك الامور التي هي بحد ذاتها معجزات.
فلو كان y في جميع أفعاله خارقاً للعادة، خارجاً عن طور البشر، لما تسنّى له ان يكون أسوةً يُقتدى به، وما وَسِعه ان يكون بأفعاله وأحواله وأطواره إماماً للآخرين؛ لذا ما كان يلجأ الى اظهار المعجزات الاّ بين حين وآخر، عند الحاجة، اقراراً لنبوته أمام الكفار المعاندين. ولما كان الابتلاء والاختبار من مقتضيات التكليف الإلهي، فلم تعد المعجزة مُرغِمةً على التصديق - اي سواء أراد الانسان أم لم يرد - لأن سر الامتحان وحكمة التكليف يقتضيان معاً فتح مجال الاختيار أمام العقل من دون سلب الارادة منه. فلو ظهرت المعجزة ظهوراً بديهياً ملزماً للعقل كما هو شأن البديهيات لما بقي للعقل ثمة إختيار، ولصدَّق ابو جهل كما صدّق أبو بكر الصديق - رضى الله عنه ـ ولأنتفت الفائدة من التكليف والغاية من الامتحان، ولتساوى الفحم الخسيس مع الألماس النفيس!
بيد ان الذي يثير الدهشة والحيرة؛ انه في الوقت الذي آمن ألوف من أجناس مختلفة من الناس بمعجزة منه y أو بكلام منه أو بالنظر الى طلعته البهية، أو ما شابهها من دلائل صدق نبوته y، وآمن به ألوف العلماء المدققين والمفكرين المحققين بما نُقِل اليهم من صدق أخباره وجميل آثاره نقلاً صحيحاً متواتراً، أقول: أفلا يدعو الى العجب ان يرى أشقياء هذا العصر جميع هذه الدلائل الواضحة كأنها غير وافية لايمانهم وتصديقهم فتراهم ينزلقون الى هاوية الضلال؟
l الاساس الثاني