بشريته هذه. وهو كذلك رسول، وبمقتضى الرسالة هو ناطق أمين باسم الله تعالى ومبلّغ صادق لأوامره سبحانه، فرسالته تستند الى حقيقة الوحي. والوحي قسمان:
الأول: الوحي الصريح كالقرآن الكريم وبعض الأحاديث القدسية. فالرسول y في هذا مبلّغ محض لا غير، من دون أن يكون له تصرف أو تدخل في شئ منه.
الثاني: الوحي الضمني، وهو الذي يستند في خلاصته ومُجمَله الى الوحي والالهام، الاّ انه في تفصيله وتصويره يعود الى الرسول y. فتفصيل الحادثة الآتية مُجملةً من هذا الوحي وتصويرها إما يبينه الرسول y أحياناً استناداً الى الالهام أو الى الوحي، أو يبينه بفراسته الشخصية. وهذه التفاصيل التي يبينها الرسولy باجتهاده الذاتي. اما أنه يبينها بما يتمتع به من قوة قدسية عليا، بمقتضى الرسالة، أو يبينها بخصائصه البشرية وبمستوى عرف الناس وعاداتهم وافكارهم.
وهكذا لا يُنظر الى جميع تفاصيل كل حديث شريف بمنظار الوحي المحض. ولا يُتحرى عن الآثار السامية للرسالة في معاملاته y وافكاره التي تجري بمقتضيات البشرية.
وحيث أن بعض الحوادث يوحى اليه وحياً مجملاً ومطلقاً وهو بدوره يصوّره بفراسته الشخصية أو حسب نظر العرف العام، لذا يلزم أحياناً التفسير وربما التعبير لهذه المتشابهات والمشكلات التي ينطوي عليها ذلك التصوير. مثال ذلك:
(1) روى مسلم في كتاب الزهد، وصفة الجنة، والايمان، عن ابي هريرة رضى الله عنه قال:
((كنا مع y وسلم اذ سمع وجبة (اي سقطة) فقال النبي y: تدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله اعلم، قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى الى قعرها)) زاد في رواية فسمعتم وجبتها (4/2184ــ 2185رقم 2844).
وروى ايضاً (عن جابر رضى الله عنه ان رسول الله y قدم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد ان تدفن الراكب. فزعم ان رسول الله y قال: بُعثت هذه الريح لموت منافق، فلما قدم المدينة فاذا منافق عظيم من المنافقين قد مات).(4/2145رقم2782). ورواه أحمد بغير هذا اللفظ (3/341،346). وانظر شرح الشفا لعلي القاري (1/697).